+ A
A -
جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: يا رسول الله أوصِني وأوْجِزْ
فقال له: «عليك بالإياس مما في أيدي الناس فإنه الغِنى، وإياك والطمع فإنه ألفَقرُ الحاضر، وصلِّ صلاتكَ وأنتَ مُوَدِّع، وإياكَ وما يُعتذرُ منه»!
جعلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الغِنى في أن يرضى الإنسان عما قسمه الله له، ويكتفيَ به، ويحمدَ الله عليه، وجعلَ الفقرَ في النظر إلى ما في أيدي الناس! إن غناكَ وفقركَ في قلبكَ كيف يشعرُ، وفي عينك كيف تنظُر!
الإنسانُ الذي ينظُرُ إلى ما يملكه الآخرون لن يستشعرَ قيمة ما يملكُ أبداً، لو جرَّبَ الإنسان أن ينظرَ إلى ما في يده، ويستمتعَ به، فلن يكون لديه الوقت ليحسد الناس على اُوتوا، وما أَوْرَدَ إبليس المهالك إلا الحسد، فحين أسجدَ اللهُ تعالى لآدم عليه السلام ملائكتَه، قال إبليسُ: «أنا خيرٌ منه»! وكثيرٌ من الناسِ يعيشون وفق مبدأ إبليس «أنا خيرٌ منه»!
إذا مرَّ أحدهم بالبيتِ الجميل قال في نفسه لو أنه لي، وإذا مرَّ بالسيارة الفارهة قال في نفسه بمَ هو خيرٌ مني لتكون له، مثل هذا لن يسعدَ ولو ملكَ مالَ قارون، لأن فَقره في قلبِه!
الإنسان الذي ينظُرُ إلى راتبه نظرةَ رضى، ويستشعرُ نعمةَ اللهِ فيه، كيف يسترُ حاجته، ويكفيه سؤال الناس، غنيٌّ ولو أتى آخر الشهر ولم يبقَ من راتبه شيء والذي ينظُرُ إلى فُلانٍ ماذا اشترى، وإلى علان ماذا ملكَ سيعيشُ فقيراً، ويموتُ فقيراً، فغنى الإنسان ليس في جيبه وإنما في قلبِه!
وصَلِّ صلاتكَ وأنتَ مُوَدِّع، تخيَّلْ كل صلاةٍ على أنها صلاتكَ الأخيرة، وبعدها ستُحمَلُ إلى قبرك، وعلى هذا الأساس صلِّها، استحضرْ فيها قلبكَ فأنتَ في حضرةِ الملك، ولا تستعجلْ بها خوفَ أن تفوتَك حاجة من حوائج الدنيا، أنتَ واقفٌ بين يدي قاضيَ الحاجاتِ، أتتركه لتعتمدَ على نفسك في قضاءِ حاجتك؟! استشعرْ الآيات وتدبَّرْها، تلذَّذْ بالفاتحة، بالحمدِ الذي حُرم كثير من الناس أن يُناجوه به، بالرحمةِ كيف أَذِنَ لكَ أن تقفَ لتعبده، بمالك يوم الدين الذي ترجو ثوابه وتخاف عقابه، بإياك نعبُد وإياك نستعين، باللجوءِ إلى غِناه من فَقرك، وإلى قوته من ضعفك، بإهدنا الصراطَ المُستقيم، تدبَّرْها، وأنتَ تتأمل الكون من حولك، تذكَّرْ عابدي البقرِ والشجرِ والحجرِ والمُلحدين، والذين حرَّفوا أديانهم، وقتها فقط ستعرِفُ لماذا كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لبلال: أرِحنا بها يا بلال!
وإياك وما يُعتذرُ منه! اِمسِكْ عليكَ لسانكَ، لا تكن أهوج، تُقيم الدنيا ولا تُقعِدها لأجل موقفٍ عابرٍ، ولردةِ فعلٍ قاسيةٍ، ولكلمةٍ جارحةٍ ثم تأتي بعدها تعتذرُ وتتأسف، الاعتذارُ خُلُقٌ نبيلٌ لا شك، ولكن الكلمة الجارحة كإدخالِ مسمارٍ في الخشب، حتى لو نزعتَ المسمار بعد ذلك فإن أثر الثقب في الخشب سوف يبقى ماثلاً للعيان، وهكذا هو أثر الكلمة الجارحة في قلوبِ الناس!.
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
03/12/2020
3504