انطلقت في موسكو في 11 ديسمبر فعاليات المؤتمر الدولي رحلة الذكاء الاصطناعي (AI Journey). إذ يستقطب هذا الحدث، الذي يُقام سنويًا، خبراء من روسيا ومن مختلف أنحاء العالم، من بينهم ممثلون عن قطاعات الأعمال والعلوم والتكنولوجيا والتعليم. وشهد هذا العام توسعًا في نطاق المشاركة الجغرافية، حيث ضمّ مؤتمر رحلة الذكاء الاصطناعي (AI Journey)، إلى جانب المتحدثين الروس، مشاركين من الصين والهند والإمارات العربية المتحدة وجنوب إفريقيا وإندونيسيا والبحرين وإيران ودول أخرى.

فقد شكل استخدام الذكاء الاصطناعي في المجالات التطبيقية محورًا رئيسيًا للحدث الحالي، وذلك بهدف زيادة الطلب الاستهلاكي وتعزيز الأرباح، وتحقيق التنمية المستدامة للشركات، بما ينعكس إيجابًا على جميع مناحي حياة المجتمع. وقد تمحور برنامج اليوم الثاني للمؤتمر حول نفس الفكرة، حيث ناقشت ورش العمل تطبيق الذكاء الاصطناعي في قطاعي الصناعة والأعمال. ويشدد منظمو المؤتمر على أن الذكاء الاصطناعي لا يسهم فقط في التنمية الاقتصادية، بل يؤدي أيضًا دورًا محوريًا في توحيد الجهود الإنسانية لمواجهة التحديات المشتركة التي تظهر بشكل يومي.

وتناولت حلقة نقاش بعنوان "الذكاء الاصطناعي: توحيد الجهود مع جميع الدول، لخدمة البشرية جمعاء" مبادئ استخدام الذكاء الاصطناعي في التصدي للتحديات الإنسانية المشتركة. ويُبرز حضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لهذه الحلقة النقاشية مكانة مؤتمر رحلة الذكاء الاصطناعي (AI Journey). وقد تولى إدارة الحوار السيد غيرمان غريف، رئيس مجلس إدارة سبيربنك، الذي بيّن أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تُمكّن من جمع الآراء والتقييمات بفعالية، وهي آلية أساسية في كل من عالم الأعمال ومعالجة القضايا الحكومية. فعلى سبيل المثال، ستقوم قناة التلفزة الروسية "روسيا 1" هذا العام وللمرة الأولى باستخدام نموذج اللغة واسع النطاق GigaChat الخاص بسبير لمعالجة أسئلة المواطنين الروس الموجهة إلى الرئيس بوتين خلال البث المباشر. وسيجري هذا الحوار بين رئيس الدولة والمواطنين في 19 ديسمبر. يستقطب "الخط المباشر" السنوي مع الرئيس اهتمامًا واسعًا في روسيا. وسيسهم نموذج اللغة في تحسين دقة وسرعة معالجة جميع الاستفسارات. علاوةً على ذلك، كشف السيد أندريه بيليفتسيف، مدير وحدة التطوير التكنولوجي في سبيربنك، عن خطط لتطوير الخدمات التكنولوجية الحالية وإطلاق خدمات جديدة.

وفي اليوم الثاني من المؤتمر، تركزت المناقشات على كيفية اندماج الذكاء الاصطناعي في حياة الناس ليصبح أداة مساعدة يومية معتادة وذات موثوقية عالية. وقد أكد المتحدثون على دور الذكاء الاصطناعي في إحداث تغيير جذري في أنماط الحياة اليومية للناس في جميع أنحاء العالم.

ومن البديهي ألا ينحصر تطور الذكاء الاصطناعي في "مُطاردة" مستمرة نحو الابتكار. إذ يتجلى التبني الشامل للذكاء الاصطناعي وتعزيزه في مدى عمق واتساع نطاق تطبيق التقنيات. ويمرّ الذكاء الاصطناعي بمرحلة اندماج مع التطورات والبنية التحتية الحالية.

أما بالنسبة لروسيا، فهي تولي أهمية بالغة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، بهدف تبوء مكانة رائدة في هذا المجال على الصعيد العالمي.

وبحلول نهاية عام 2024، لن يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على السكرتارية أو مراكز الاتصال فقط. فالنماذج التوليدية لديها القدرة على توفير حلول فعّالة في مجالات الأعمال، والتخطيط الحضري، والإدارة العامة، والقطاع الطبي، وغيرها. فعلى سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين جودة الخدمات المقدمة في قطاعي الأعمال والرعاية الصحية، وتسريع عملية صرف الإعانات الاجتماعية من قِبل الدولة. والأهم من ذلك، يُمكنه المساهمة في تطوير أدوية جديدة، مما يعني المساهمة الفعلية والمباشرة في إنقاذ الأرواح من الأمراض الخطيرة.

استعرض المشاركون تجاربهم في توظيف الذكاء الاصطناعي في خدمة المجتمع، مستشهدين بأمثلة من بلدانهم. فالصين تشهد انتشارًا واسعًا لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي العالمية.

وقدم الدكتور سونغ هايتاو، رئيس معهد شنغهاي للذكاء الاصطناعي ومدير المركز الدولي للتميز في تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاع الصناعة والإنتاج التابع للأمم المتحدة، شرحًا لكيفية مساهمة الذكاء الاصطناعي في تحسين أداء الحكومة الصينية عبر أتمتة إدارة البيانات. علاوة على ذلك، تمت الاستعانة به لتحسين عملية تخصيص الموارد ووضع الميزانية. وتُطبّق هذه الممارسة عينها لدى نظرائهم الروس، إذ تستخدم وزارة المالية الروسية الذكاء الاصطناعي في عملية إعداد الميزانية. كما يتولى الذكاء الاصطناعي المهام الروتينية لتصنيف النفقات، بالإضافة إلى إيجاد أفضل السبل لتحقيق الأهداف المحددة في الوثيقة.

وأفاد خبراء يعملون في دبي بانخفاض معدلات الجريمة بنسبة 25% في بعض مناطق المدينة. ويعزى هذا الانخفاض إلى تطبيق حلول "المدينة الذكية" التي أسهمت في تعزيز جهود الشرطة والسلطات.

وعلى الجانب الآخر من العالم، تشهد جنوب إفريقيا هي الأخرى أيضًا تطبيقًا نشطًا لتقنيات الذكاء الاصطناعي العالمية. وتشير السيدة جانيت سافاري، المدير العام لشركة TAIR Labs، إلى أن جنوب إفريقيا تمتلك خبرة واسعة في مجال استخدامات الذكاء الاصطناعي. حيث يُوظف الذكاء الاصطناعي في قطاعات متنوعة فيها، كالتعليم والرعاية الصحية والزراعة.

لقد أصبح التحليل الدقيق للبيانات، بفضل اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي، أداة فعالة في قطاع التجارة، لا سيما في مجالات مثل تحليل طلبات المستهلكين ووضع استراتيجيات الأعمال. وقد قام ممثلو شركات التكنولوجيا، بعرض تقارير شاملة حول الحلول المتاحة في قطاعي الأعمال وتكنولوجيا المعلومات. علاوةً على ذلك، وفي ختام اليوم، تم تكريم الفائزين بجائزة AI Leaders الوطنية، تقديرًا لمساهماتهم القيمة في تطوير الذكاء الاصطناعي.

لا تكتفي مؤتمرات رحلة الذكاء الاصطناعي (AI Journey) بالتركيز على حاضر الذكاء الاصطناعي، بل تتطلع أيضًا إلى رسم ملامح مستقبله. وقد شهد المؤتمر الإعلان عن تأسيس التحالف الدولي للذكاء الاصطناعي، الذي يجمع بين مشاركين من 18 دولة، من بينها دول مجموعة البريكس. ويهدف هذا التحالف إلى إقامة منصة عالمية متنوعة للتعاون القائم على المساواة. وشدد السيد غيرمان غريف، رئيس مجلس إدارة سبيربنك، على أن تشكيل هذا التحالف من شأنه الارتقاء بالتعاون بين جميع الأطراف إلى آفاق جديدة. الأمر الذي سيسهم بدوره في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل مفتوح وشفاف، بما يضمن تحقيق منفعة عامة للجميع.

يُمثل مؤتمر AI Journey في موسكو تتويجًا لسلسلة من الأنشطة التي أقيمت على مدار العام. وتتميز هذه الأنشطة بتنوعها، إلا أنه تُجمعها رؤية سامية واحدة، وهي أن رحلة الذكاء الاصطناعي هي رحلة في خدمة الإنسانية.