كشف تقرير نشرته صحيفة تايمز البريطانية عن أرشيف من 1.3 مليون وثيقة رسمية، تفصل «الفظائع» الممنهجة والجرائم التي ارتكبها نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد ووالده حافظ الأسد بحق السوريين.

ويعتبر الأرشيف، الذي جمعه المحامي والمحقق الكندي في جرائم الحرب بيل وايلي لـ 13 عاما بمساعدة فريق من السوريين، محوريا في تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات المنظمة التي ما زالت تتكشف بسوريا، حسب التقرير.

وتم تهريب الوثائق بالكيلوغرامات خارج البلاد إلى مدينة أوروبية لم يكشف التقرير عنها، ليتم تصويرها رقميا وتحليلها من قبل منظمة وايلي، واسمها لجنة العدالة والمساءلة الدولية، بدعم من الحكومات البريطانية والأميركية والألمانية.

وللحصول على المواد، كان أعضاء الفريق السوريون، البالغ عددهم 43، يتخفون بزي الرعاة والتجار، ويستخدمون كل ما يتوفر -من الشاحنات إلى الطوافات- لنقل خزائن كاملة من الأوراق عبر نقاط التفتيش.

وقد قتل النظام أحد أفراد الفريق، بينما أصيب آخر واختطف ثالث، واضطر بعضهم لترك أوراق في مخابئهم لما ينطوي على نقلها من مخاطر.

وقد استخدمت وثائق لجنة العدالة والمساءلة الدولية بالفعل في 13 قضية في جميع أنحاء العالم ضد مسؤولي النظام.

بشار الأسد الآمر الناهي

وقال وايلي إن الوثائق تثبت دون أدنى شك أن بشار الأسد لم يكن مجرد رئيس شكلي، بل إنه كان يدير الأمور، واستدل على ذلك بمحاضر من خلية إدارة الأزمة المركزية التي أنشأها الأسد في مارس/ ‏آذار 2011 للتعامل مع الثورة.

وكانت هذه الخلية تجتمع كل ليلة تقريبا وتناقش استراتيجيات لسحق المعارضة، وفق التقرير، كما كانت الإدارة على تواصل باللجان الأمنية وعناصر المخابرات في كل محافظة، تتلقى منها أحدث نتائج وسائل القمع الممنهجة، وترسل لها أوامر جديدة.

وأكد وايلي دور الأسد الرئيسي بالعملية، إذ «كانت المحاضر تؤخذ إلى مكتبه الشخصي وينتظره أحد الموظفين بينما يراجعها، ونرى دليلا على ذلك في الهوامش أوامر تقول افعلوا كذا وكذا، لا تفعلوا كذا، وحينها تأكد لنا أنه لم يكن مجرد رئيس شكلي».

بيروقراطية الموت

وقام نظام الأسد بتوثيق عمليات التعذيب والإعدام واستخدام الأسلحة الكيميائية وحالات الاختفاء الجماعي على نطاق واسع، وأشرفت سلسلة من القيادات برئاسة الأسد على «بيروقراطية الموت» هذه، وفق تعبير البعض بالتقرير.

وقال وايلي: «هذا هو القمع الأكثر توثيقا في التاريخ»، وأضاف، مشيرا للملفات المخزنة بـ 406 صناديق، والتي تضم جرائم حرب لحزب البعث المخلوع: «وكأنهم نازيون بأجهزة حاسوب». وكثفت لجنة وايلي جهودها بعد سقوط الحكومة، خصوصا أن سرعة انهيار النظام لم تسمح له بتدمير الدلائل الورقية، وعينت 10 باحثين إضافيين في الأيام السابقة، وأكد المحقق: «نحن نعيش حالة نادرة تاريخيا، مثل ألمانيا في 1945 والعراق في 2003 ووسط وشرق أوروبا بين 1990 و1991، حين يمكن جمع مواد من مصادر أولية».

أعمق من نورمبرغ

وعدّد التقرير الأفراد المتورطين بـ«جرائم» نظام الأسد، مشيرا إلى كثرتهم، فهناك الآلاف من الضباط وعناصر الأمن الفارين هربا من المساءلة.

وخص التقرير ماهر الأسد شقيق بشار وقائد الفرقة الرابعة، وهو مسؤول عن سياسة «القمع الهمجي» وتهريب الكبتاغون، وعلي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني السابق وأحد أبرز قادة الأجهزة الأمنية، وجميل حسن رئيس استخبارات القوات الجوية، وهو متهم بإدارة عمليات تعذيب وقتل واسعة.

ويظهر أرشيف وايلي العدد الهائل من الأشخاص المتورطين، وعلق بهذا الصدد بأن المسألة «في سوريا تتعلق بـ 50 عاما من الإرهاب على يد الدولة، والكثير من القتلى والمعذبين، وهذا يحتاج إلى هيكل أمني وعسكري واستخباراتي ضخم».

وأضاف: «سيكون ملف سوريا أكبر بكثير من محاكمة نورمبرغ»، وتخصصت المحاكمة التاريخية بمحاسبة قادة النظام النازي.

ونوه التقرير بأن الأمن الذي أعطته روسيا لبشار وعائلته لن يدوم طويلا، فروسيا، كما ذكر وايلي، قد تضحي بالأسد وتسلمه لتحقيق مصالحها الإستراتيجية مع أي حكومة سورية جديدة، كما فعلت سابقا مع دكتاتوريين آخرين كشارلز تايلور (من ليبيريا)، ولوران غباغبو (من ساحل العاج)، ولن يأخذ تسليمه أكثر من 3 سنوات.