الدوحة- قنا- تعتمد المؤسسات والمراكز في القطاعين العام والخاص في قطر، المعنية بالجانب الفني والثقافي، على تنظيم الورش التدريبية والدروس والمحاضرات والندوات كجزء أساسي من برامجها ومشروعاتها بهدف صقل مواهب وقدرات منتسبيها وإعداد فناني المستقبل، وتعزيز معارفهم في تقنيات وجماليات الفنون التشكيلية والبصرية.

وقد قدمت وزارة الثقافة في مهرجان «فريج الفن والتصميم» الذي نظم في نوفمبر الماضي في إطار فعاليات الموسم الثقافي، نموذجا مميزا لتوظيف الورش الفنية والتدريب من خلال أجنحة المراكز التابعة لها.

كما تصدرت الورش والمحاضرات الفنية فعاليات مهرجان «الدوحة للتصوير»، الذي شهد في نوفمبر الماضي مشاركة نخبة من المصورين والمبدعين من قطر والخليج والعالم، حيث قدموا ورشا ومحاضرات متنوعة حول مواضيع مثل: تصوير الطبيعة، وتوظيف الذكاء الاصطناعي، والتصوير تحت الماء، وتصوير الحياة البرية، وفن تصوير المشاعر في الأحداث الرياضية.

من جانبها، نظمت «متاحف قطر» على مدار سنوات عديدة ورشا فنية وأنشطة ثقافية تفاعلية في متحف الفن الإسلامي ومتحف قطر الوطني، والمتحف العربي للفن الحديث، و1-2-3 متحف قطر الأولمبي والرياضي وجاليري متاحف قطر -الرواق، ومطافئ -مقر الفنانين، وذلك بإشراف فنانين محترفين، حيث تستهدف هذه الأنشطة تعزيز معرفة الموهوبين والهواة في مختلف أنواع الفنون والتقنيات.

أما في إطار مهرجان قطر الدولي للفنون 2024، الذي نظمته «كتارا» في نوفمبر الماضي بمشاركة 350 فنانا من 70 دولة، فقد تم تخصيص جزء كبير من البرنامج للورش الفنية والندوات الثقافية لتعزيز التعاون وتبادل الخبرات بين المبدعين من قطر والعالم.

وفي هذا السياق نوه العديد من المبدعين والمشرفين على ورش فنية وتدريبية في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية «قنا» بأهمية هذه الورش في صقل قدرات الموهوبين ونقلهم إلى مرحلة الاحتراف، إلى جانب اكتشاف إمكانيات الواعدين وفناني المستقبل.

من جانبه، أكد المصور القطري عارف العماري، الحائز على جوائز محلية وعربية وعالمية، على دور الورش الفنية في تعزيز قدرات المصورين وتمكينهم من الانتقال من مرحلة الهواية إلى مرحلة الاحتراف.

وقال في تصريح لـ«قنا» إن الورش التي يقدمها مصورون محترفون والدورات التي يشرفون عليها تمثل نوعا من تبادل العطاء مع المجتمع ورد الجميل للمؤسسات والمراكز التي ينتمون إليها لأنها رعت مواهبهم وساهمت في صقل تجاربهم وخبراتهم.

وأوضح العماري الذي قام بتدريب أكثر من 2000 شخص في قطر ودول الخليج وبريطانيا، أن الورش أصبحت جزءا أصيلا من هذه المؤسسات الفنية، مشيرا إلى أن الجمعية القطرية للتصوير «سابقا» تحرص على تنظيم الورش لتمكين المصورين من تجديد خبراتهم والاطلاع على الجديد في مجال التصوير وفنون الصورة وتقنيات الكاميرا.

وشدد على أن مركز قطر للتصوير التابع لوزارة الثقافة، يحرص على تقديم دورات وورش متنوعة لمنتسبيه ويركز على التنوع في برامجها ومحتواها، بداية من أساسيات التصوير وطرق التعامل مع الكاميرا، مرورا بالمراحل المختلفة في كل التخصصات وفنون التصوير، ويزودهم بالشهادات ويجهزهم للارتقاء في الهواية، ودخول سوق العمل بالانتقال من الهواية للاحتراف.

وأشار العماري أيضا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي قد وفرت فرصا جديدة للمصورين، إذ أصبح فن تصوير الطعام جزءا من مجالات التصوير الحديثة، حيث يمكن للمصورين تسويق الطعام والتعبير عنه عبر الصورة، مما يتطلب منهم معرفة دقيقة بجماليات الإضاءة والتكوين، فضلا عن فهم ثقافة الطعام.

ومن جانبه، أكد الفنان التشكيلي العراقي إسماعيل عزام، في تصريح مماثل لوكالة الأنباء القطرية «قنا» أهمية الورش التدريبية للفنانين الموهوبين من جيل الشباب في قطر، التي تتجلى نتائجها في إنتاجهم المتميز من الأعمال الفنية ومشاركاتهم في المعارض الفردية والجماعية داخل وخارج الدولة.

ولفت إلى أن العمل الفني التشكيلي هو في الأصل إبداع فردي يعتمد على مدى الجهد الذي يبذله الفنان لتطوير أدواته ومهاراته الفنية، وتقوم مؤسسات القطاع العام والخاص ممثلة في وزارة الثقافة أو المتاحف أو صالات العرض الخاصة بمهمة الرعاية والدعم وتوفير الأماكن والمواد والأدوات وكذلك المدربين المتخصصين لتشجيع أفراد المجتمع الموهوبين على الانخراط في هذه الدورات والورش، فوجود الموهبة ضروري، ليتم صقلها بالمعرفة والتعليم والممارسة الجادة والتمرين المستمر.

ونوه عزام بتجربة متاحف قطر في تنظيم الورش التدريبية على مدى سنوات متصلة في متحف الفن الإسلامي ومتحف قطر الوطني، في معظم الفنون وبمشاركة وإشراف متخصصين في الرسم والنحت والتصوير والزخرفة والفنون الإسلامية والخط العربي، والتي استفاد منها موهوبون قطريون وعرب وأجانب.

وقال إن الورش التي قدمها مع متاحف قطر على مدى سبع سنوات ومن بينها ورشة مستمرة حاليا في متحف: المتحف العربي للفن الحديث، تتمحور حول رسم الوجوه «البورتريه»، باعتباره من أسس الورش التدريبة، وفيها نزود المتدرب بالمعلومات والخبرات الأساسية، ويختار هو الأسلوب والمدرسة والاتجاه لمعالجة فكرته ورؤاه.

كما أشار إلى ضرورة إلمام المتلقي والمستفيد من هذه الورش والدروس والمحاضرات بالحد الأدنى من المعرفة بتاريخ الفن الذي يمارسه، وأن يؤمن بدور الفن في تنمية المجتمع والثقافة والتأثير الإيجابي على المجتمع من الناحية النفسية وغرس القيم الأخلاقية السامية في النفوس.

وأوضح عزام أنه عمل على مدى أكثر من 25 عاما في تقديم دروس الرسم عبر ورش عديدة وبتقنيات مختلفة منها التقليدية مثل أقلام الرصاص والفحم واستعمال ألوان الأكريليك والزيت ومنها تقنيات وبرامج حديثة باستخدام رسم الديجيتال.

وتابع أن الورش الفنية والتدريبية والدروس والمحاضرات التي تقيمها المؤسسات الثقافية في قطر ومعظم دول الوطن العربي، تمثل وسيلة ناجعة لصقل قدرات الموهوبين بمختلف اتجاهاتهم وتخصصاتهم الفنية في مجالات التشكيل والفنون البصرية، في الرسم والخزف والنحت والتصميم والطباعة والخط العربي والزخرفة، وفي فنون الموسيقي والمسرح، وكانت وماتزال تؤدي دورا مهما إلى جانب المعاهد الفنية الأكاديمية المتخصصة في اكتشاف المواهب وصقلها بالتدريب المستمر.

ولفت إلى ضرورة تنمية قدرات الموهوبين وصقلها بالتدريب الأكاديمي الجاد، ومن خلال ممارسة تقنيات متنوعة في الرسم التقليدي من تخطيط وتلوين، إلى جانب الاعتماد على مناهج معروفة ومجربة منذ عصر النهضة إلى عصرنا الحاضر، مما يثري خبرات المتلقي والمتدرب بمختلف التقنيات الفنية القديمة والحديثة.

وشدد الفنان إسماعيل عزام على أهمية التعرف على الأساليب والتقنيات في الماضي للوصول إلى تقنيات الحاضر، وذلك بشكل تدريجي وليس بالقفز على الفترات والمراحل التي مر بها تاريخ الرسم.