مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةهل المسجد مؤسسة عبادة أم مركز رعاية اجتماعي، وتواصل فكري، وجسور ثقافية، وتعزيز قيم السلام القائمة على الحق والعدل لا الهزيمة، أم هو إذن منار حضارة تشمل كل ذلك؟
في تجوّلي خلال الزيارة الأخيرة لدوحة الخير، لفت نظري بالطبع التهيئة العمرانية الضخمة، ورصيفُ ساحل المشي الجميل في كورنيش لوسيل، ولعلها المرة الأولى، التي أتأمل فيها نواحي هذه المدينة الحديثة، لكنني شعرتُ أن هذه اللوحة، تنتظر معلماً آخر ربما هو في خطة عمران المدينة.
لكنّ حديث العالم الجديد، الذي ستتقاطر وفوده على قطر بكثافة في مستقبل الأيام، هو في ذاته يأتي من بلدان متعددة، سواءً في الجنوب العالمي، الذي لا يزال يعاني بحثاً عن لحظة نهضته، ومنهُ وطننا العربي ومشرقنا الإسلامي، أو عالم الغرب الشمالي المزدحم في صراعات الإنسان والروح، ومآلاتها الرأسمالية التي ترتد بشراسة، على نسيجه الاجتماعي الداخلي.
بعد أن أضحى المهاجرون مواطنين دستوريين، دون أن يتم دمجهم اجتماعياً وثقافياً، لأنه وبسبب بسيط وعميق، لا توجد في عالم الشمال ثقافة دمج، تقوم على العدالة الاجتماعية والأصل الروحي الأخلاقي لها، ولذلك فشلت باريس وغيرها، واستخدمت اتهام الإسلام لتبرير فشلها.
ومؤخراً كثّفت الدوحة من حضورها الفكري عبر بعض مؤسساتها وأنشطتها، في الجنوب والمشرق، من ماليزيا حتى رواندا الصاعدة في أمل نهضة جديد، نأمل أن يُشرق على أفريقيا، وأن يحميه الله من فساد واستبداد البعض في الداخل الأفريقي، ومن لعبة المصالح المتوحشة، ضد إنسانها لصالح المستعمر القديم، الذي لا يزال يعبث في أرضها، أوربياً وأميركياً.
إن روح المنارة المتحدة بين الأرض والسماء، لها وقعٌ روحيٌ جميل، لا يقف عند المسلم فحسب بل يشمل كل إنسان مهما كان دينه، فالخضوع لنداء الروح الأزلي في رعاية الخالق، والذي لا تملك أي نظرية علمية ولا وجهة نظر مطلقاً، أي إمكانية للتشكيك به، لكونه محور حياة الفرد، ومحور مشاعره وعقله ووجدانه مع الآخر، كلّ آخر غيره، ولنسمع هنا للبيان الإلهي فيه:
{ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}
فهو أمرٌ مدركٌ يقيناً في عقل الإنسان، لكنه غيبٌ لا تستشعر كنهه، فسِرُّهُ عند الخالق، وهكذا تدور الحياة في فلكها، ولم ولن تنفك عن دلالتها في الوجود وفي النفس، آمنت بالخالق أم لم تؤمن.
إن هذا العالم السياحي والثقافي، الذي سيحج إلى قطر لمناسبات عالمية، لن يعنيه شيءٌ في الرفاهية، كما هو دلالة العمق الفكري، الذي يتصل به العرب المسلمون، وقطر في شرق جزيرة العرب، حيث التاريخ الجديد الذي انتقل بالأمة الأميّة، إلى الأمة الحضارية، من هندسة بغداد إلى عمران الأندلس، وليست هذه كل الحكاية، بل العالم اليوم يبحث عن دلالة أخرى، تحملها الرسالة الإسلامية، في فلسفتها الخاصة.
فحضور المنارة في مركز حضاري جامع، لا يُقدم وجبات وعظ ولا كتب مترجمة عن التراث الديني، وإن كان لكلٍ رسالته ومهمته، حينما يُلتزم الضابط الأخلاقي، لكن مقترح هذا المركز الذي تحتاج أن تتزين به لوسيل، حين يهتفُ نداء الله، في تلك الأرجاء، في آذان جميل تشرق به الروح والنفس الإنسانية، وفي هندسة عمرانية تجمع فلسفة الفكرة، مع جمال الهندسة، وأنت تنظرُ إلى تقاطر الناس إلى المركز، مصلّين أو متسائلين، فياله من مشهد يُزيّن كل رواق ويرفع معالم كل وطن.
إن المقصد هنا في المقترح، بأن تكون أقسامه تحمل بانوراما إسلامية، تشرح رسالة الإسلام في توحيد الديمغرافية البشرية، التي امتدت على الأرض، ووحدت الأسمر والأبيض، والقوميات المختلفة، ومنارات التنوير الحقيقية، التي أضاءت في سماء الإنسانية.
وليس ذلك من خلال تاريخ الاستبداد القديم، ومعارك حكّامه وسلاطينه الأقدمين، التي تقاس مشروعيتها بعدلهم من ظلمهم، ولكن من خلال خطاب الذات الإنسانية والأخلاق، ونظرية العمران المختلفة، منذ أن وُلدت مع ابن خلدون، وتخلّف المسلمون عنها لقرون، وهي في أصلها نظرية تأسيس، أخذها الغرب وطوّرها، بعض تطويره إيجابي، وبعضه يُهلك الحرث والنسل في العالم، ولا علاقة له بأصل المعادلة الخلدونية.
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةهل المسجد مؤسسة عبادة أم مركز رعاية اجتماعي، وتواصل فكري، وجسور ثقافية، وتعزيز قيم السلام القائمة على الحق والعدل لا الهزيمة، أم هو إذن منار حضارة تشمل كل ذلك؟
في تجوّلي خلال الزيارة الأخيرة لدوحة الخير، لفت نظري بالطبع التهيئة العمرانية الضخمة، ورصيفُ ساحل المشي الجميل في كورنيش لوسيل، ولعلها المرة الأولى، التي أتأمل فيها نواحي هذه المدينة الحديثة، لكنني شعرتُ أن هذه اللوحة، تنتظر معلماً آخر ربما هو في خطة عمران المدينة.
لكنّ حديث العالم الجديد، الذي ستتقاطر وفوده على قطر بكثافة في مستقبل الأيام، هو في ذاته يأتي من بلدان متعددة، سواءً في الجنوب العالمي، الذي لا يزال يعاني بحثاً عن لحظة نهضته، ومنهُ وطننا العربي ومشرقنا الإسلامي، أو عالم الغرب الشمالي المزدحم في صراعات الإنسان والروح، ومآلاتها الرأسمالية التي ترتد بشراسة، على نسيجه الاجتماعي الداخلي.
بعد أن أضحى المهاجرون مواطنين دستوريين، دون أن يتم دمجهم اجتماعياً وثقافياً، لأنه وبسبب بسيط وعميق، لا توجد في عالم الشمال ثقافة دمج، تقوم على العدالة الاجتماعية والأصل الروحي الأخلاقي لها، ولذلك فشلت باريس وغيرها، واستخدمت اتهام الإسلام لتبرير فشلها.
ومؤخراً كثّفت الدوحة من حضورها الفكري عبر بعض مؤسساتها وأنشطتها، في الجنوب والمشرق، من ماليزيا حتى رواندا الصاعدة في أمل نهضة جديد، نأمل أن يُشرق على أفريقيا، وأن يحميه الله من فساد واستبداد البعض في الداخل الأفريقي، ومن لعبة المصالح المتوحشة، ضد إنسانها لصالح المستعمر القديم، الذي لا يزال يعبث في أرضها، أوربياً وأميركياً.
إن روح المنارة المتحدة بين الأرض والسماء، لها وقعٌ روحيٌ جميل، لا يقف عند المسلم فحسب بل يشمل كل إنسان مهما كان دينه، فالخضوع لنداء الروح الأزلي في رعاية الخالق، والذي لا تملك أي نظرية علمية ولا وجهة نظر مطلقاً، أي إمكانية للتشكيك به، لكونه محور حياة الفرد، ومحور مشاعره وعقله ووجدانه مع الآخر، كلّ آخر غيره، ولنسمع هنا للبيان الإلهي فيه:
{ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}
فهو أمرٌ مدركٌ يقيناً في عقل الإنسان، لكنه غيبٌ لا تستشعر كنهه، فسِرُّهُ عند الخالق، وهكذا تدور الحياة في فلكها، ولم ولن تنفك عن دلالتها في الوجود وفي النفس، آمنت بالخالق أم لم تؤمن.
إن هذا العالم السياحي والثقافي، الذي سيحج إلى قطر لمناسبات عالمية، لن يعنيه شيءٌ في الرفاهية، كما هو دلالة العمق الفكري، الذي يتصل به العرب المسلمون، وقطر في شرق جزيرة العرب، حيث التاريخ الجديد الذي انتقل بالأمة الأميّة، إلى الأمة الحضارية، من هندسة بغداد إلى عمران الأندلس، وليست هذه كل الحكاية، بل العالم اليوم يبحث عن دلالة أخرى، تحملها الرسالة الإسلامية، في فلسفتها الخاصة.
فحضور المنارة في مركز حضاري جامع، لا يُقدم وجبات وعظ ولا كتب مترجمة عن التراث الديني، وإن كان لكلٍ رسالته ومهمته، حينما يُلتزم الضابط الأخلاقي، لكن مقترح هذا المركز الذي تحتاج أن تتزين به لوسيل، حين يهتفُ نداء الله، في تلك الأرجاء، في آذان جميل تشرق به الروح والنفس الإنسانية، وفي هندسة عمرانية تجمع فلسفة الفكرة، مع جمال الهندسة، وأنت تنظرُ إلى تقاطر الناس إلى المركز، مصلّين أو متسائلين، فياله من مشهد يُزيّن كل رواق ويرفع معالم كل وطن.
إن المقصد هنا في المقترح، بأن تكون أقسامه تحمل بانوراما إسلامية، تشرح رسالة الإسلام في توحيد الديمغرافية البشرية، التي امتدت على الأرض، ووحدت الأسمر والأبيض، والقوميات المختلفة، ومنارات التنوير الحقيقية، التي أضاءت في سماء الإنسانية.
وليس ذلك من خلال تاريخ الاستبداد القديم، ومعارك حكّامه وسلاطينه الأقدمين، التي تقاس مشروعيتها بعدلهم من ظلمهم، ولكن من خلال خطاب الذات الإنسانية والأخلاق، ونظرية العمران المختلفة، منذ أن وُلدت مع ابن خلدون، وتخلّف المسلمون عنها لقرون، وهي في أصلها نظرية تأسيس، أخذها الغرب وطوّرها، بعض تطويره إيجابي، وبعضه يُهلك الحرث والنسل في العالم، ولا علاقة له بأصل المعادلة الخلدونية.