بعد مرور ما يزيد على ست سنوات على إيقافها، وبعد جدل كبير ورفض طلبات من جهات رسمية ومجتمعية تم الخميس الماضي إعادة تفعيل الدائرة الدستورية ضمن المحكمة العليا بقرار من الجمعية العمومية للمحكمة والتي تضم خمسة عشر مستشارا.السؤال الذي يفرض نفسه هو: لماذا تم تفعيل الدائرة بعد إيقافها لست سنوات وتأجيل البت في الطعون المقدمة لها إلى أجل غير مسمى ومحاججة رئيس المحكمة العليا والمستشارين بأن إيقاف الدائرة يحقق مصلحة كبيرة وأن تفعيلها سيضاعف من الأزمة ويزج بالقضاء في أتونها بل ويوقعه في مصيدة التسييس؟الاعتقاد السائد والذي يتداوله الكثير من المراقبين أن رئيس المحكمة العليا ومستشاريها واجهوا ضغوطا من قبل مجلس النواب والذي اتجه رئيسه ومن يواليه في المجلس إلى إعادة تشكيل المحكمة العليا مما يعني احتمال تغيير رئيسها ومستشاريها الحاليين، فسارع هؤلاء بتفعيل الدائرة الدستورية لقطع الطريق على أي قرار يتخذه مجلس النواب بخصوص المحكمة العليا والقانون الذي ينظمها.ومن المعلوم أن عقيلة صالح اقترح ترشيح نحو 45 مستشارا لعضوية المحكمة العليا، وبالفعل تم فتح ملف المحكمة العليا في الجلسة الأخيرة لمجلس النواب، ففُهم قرار الجمعية العمومية للمحكمة العليا بتفعيل الدائرة الدستورية كرد على توجه رئيس مجلس النواب وأنصاره.الأخطر هو أن يكون قرار المحكمة العليا مدفوعا بموقف سياسي أو جاء لمناكفة مجلس النواب، فهذا يعني أن المحكمة العليا انجرت إلى حلبة التدافع السياسي من حيث أرادت أن لا تقاربه بقرارها إيقاف الدائرة الدستورية وتأجيل النظر في الطعون الموضوعة أمامها والتي تعدت الخمسين طعنا منذ العام 2016م.إذ لو صح هذا التوجه فإن المحكمة ورئيسها سيقعان في مصيدة الموازنات والحسابات الخاصة وذلك عند النظر في الطعون وأيها يوضع على طاولة النظر ولأي الطعون تعطى الأولوية، الأمر الذي سيأتي على هيبة القضاء بالطعن في نزاهته، وستكشف الأيام القادمة صواب الشك الذي لحق قرار الجمعية العمومية بخصوص الدائرة الدستورية من عدمه.ما يبعث على الطمأنينة هو اتخاذ قرار إعادة تفعيل الدائرة الدستورية بإجماع أعضاء الجمعية العمومية للمحكمة العليا الخمسة عشر، وعليه يمكن القول إن الوضع ربما سيزداد تعقيدا، واللوم يقع على مجلس النواب المنساق خلف اتجاهات سياسية ومصلحية لرئاسته، إذ لا يمكن اعتبار توجه عقيلة صالح بتغيير تركيبة المحكمة العليا في هذا الوضع المأزوم، وهو طرف سياسي في نزاع حاد وشرعيته مطعون فيها، اتجاها وطنيا يصب في خانة البناء المؤسسي، فما المبرر للدخول على خط القضاء في هذه المرحلة الحرجة إلا تحقيق أجندة سياسية ضيقة. عربي 21