في عالم تُهيمن فيه اللغة الإنجليزية على التفاعلات الرقمية التي تعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل «سيري» ومساعد جوجل وغيرها، يجد متحدثو اللغة العربية أنفسهم أمام قيودٍ وتحدياتٍ كبيرة تفرضها اللغة الإنجليزية عليهم من أجل التفاعل مع هذه التقنيات والاستفادة منها، وذلك على الرغم من انتشار هذه التقنيات على نطاق واسع حول العالم.
ولسوء الحظ، لا يُؤثر الاعتماد الكبير على اللغة الإنجليزية على التفاعلات اليومية بين الناطقين بالعربية فحسب، بل يُشكّل أيضاً عائقاً أمام الحفاظ على الثقافة والأدب والتقاليد العربية من الاندثار، والتي يرتبط وجودها بوجود اللغة العربية.
وإدراكاً منهم لحجم هذه المشكلة، وسعياً من أجل الحد من انتشارها، اتّخذ فريق تقنيات اللغة العربية في معهد قطر لبحوث الحوسبة التابع لجامعة حمد بن خليفة، وهي عضو في مؤسسة قطر، تدابيرَ استباقية لتعزيز استخدام اللغة العربية في الفضاءات الرقمية.
يقول الدكتور حمدي مبارك حسين، وهو مهندس برمجيات رئيسي بقسم تقنيات اللغة العربية بمعهد قطر لبحوث الحوسبة: «يُعد الحفاظ على الثقافة والهوية العربية هدفاً أساسياً في المعهد، حيث نُركز في أوراقنا البحثية ونماذجنا وتطبيقاتنا على ترسيخ المكانة المستحقة للغة العربية ومنحها تمثيلاً أكبر في المجال الرقمي».
ويُضيف: «يعمل فريقنا حالياً على العديد من المبادرات لسد هذه الفجوة، بما في ذلك تطويرِ أدواتٍ وتقنياتٍ تدعم تعلّم اللغة العربية في المدارس وتُساعد على تحسين مهارات الكتابة والقراءة لدى الطلاب».
موضحاً مدى استجابة هذه التقنيات لللهجات العربية المختلفة، يقول الدكتور حسين: «يعمل معهد قطر لبحوث الحوسبة على تطوير نماذج ترجمة آلية قادرة على ترجمة اللهجات العربية المختلفة، مثل القطرية، إلى اللغة العربية الفصحى أو اللغة الإنجليزية، وتُعتبر منصة «شاهين» خير مثالٍ على ذلك، وهي نظام آلي يُترجم النصوص العربية المكتوبة والمقروءة ويُمكن استخدامه في عدة مجالات وقطاعات، منها الطبية والحكومية. وبالفعل تعتمد وكالات الأنباء والجهات الحكومية في عملها على هذا النظام بشكلٍ كبير داخل وخارج قطر». كذلك قام معهد قطر لبحوث الحوسبة بتطوير العديد من الأدوات المتقدمة من شأنها مساعدة الأنظمة الآلية على فهم اللغة العربية ومعالجتها بشكلٍ فعّال. كما تُستخدَم هذه الأدوات بواسطة العديد من المؤسسات البحثية في جميع أنحاء العالم في مجالات مختلفة، وعلى وجه الخصوص، التعليم والإعلام.
وبهذا السياق، يقول الدكتور حسين: «تستخدم مئات المؤسسات البحثية حول العالم أدوات «فراسة» لمعالجة اللغة العربية الطبيعية، مثل «الجزيرة لتعلم العربية»، علاوة على ذلك، تعتمد العديد من الجهات أنظمة الترجمة الآلية، التي طوّرها معهد قطر لبحوث الحوسبة، على نطاقٍ واسع، وذلك لتعزيز التواصل بين الشعوب الناطقة باللغة العربية وبقية العالم».
تعمل أنظمة الترجمة الآلية التي أنشأها معهد قطر لبحوث الحوسبة على تعزيز التواصل بين المجتمعات الناطقة باللغة العربية والمجتمع العالمي من خلال التغلب على الحواجز اللغوية، وضمان إمكانية الوصول إلى المحتوى العربي وفهمه في جميع أنحاء العالم. ومن خلال تطوير هذه الأنظمة، تُمكن هذه الأدوات المتحدثين باللغة العربية من الاستخدام السلس للمنصات الرقمية، وتضمن حصولهم على المعلومات، والمشاركة بنشاط في المناقشات العالمية عبر الإنترنت.
يختتم الدكتور حُسين حديثه مشجعاً الجيل الصاعد من الباحثين على البقاء على اطلاعٍ دائم بأحدث المستجدات في المجال الرقمي، قائلاً: «أدعو الباحثين الناشئين إلى الخوض في تقنيات اللغة العربية لأنها المفتاح الرئيسي لضمان مستقبلٍ وحضورٍ رقمي بارز للّغة، وأحثهم أيضاً على مواكبة أحدث التطورات البحثية، وتجربة النماذج الحالية وتكييفها لتعكس ثقافتنا، كما أُوصي الباحثين بالتركيز على تطوير التطبيقات التي تلبي الاحتياجات الفريدة لمجتمعاتنا، مع التأكد من أنها عملية وذات مغزى، وكذلك يجب إبقاء الحفاظ على اللغة والثقافة العربية وتعزيزها دائماً في صميم أهدافهم ومساعيهم».