+ A
A -

مرَّ رجلٌ من خراسان بمصر، وكانَ عالماً بالأحجارِ وخواصها، وكانَ في بحثٍ دؤوبٍ عن حجرٍ يعرفه يطردُ الذُّباب، فرآه عند بائعٍ للأحجار، فسأله عنه، فقال: خمسة دراهم!فدفعها إليه الخراساني في الحال وأخذَ الحجر.فقالَ له البائعُ ساخراً: هذا الحجرُ رأيته مُنذ أيام مع صبي فأخذته منه بحباتِ تمر، وأنتَ لِحُمقك اشتريتَه مني بخمسةِ دراهم!فقالَ له: قُمْ معي لأُريكَ من الأحمق!فأخذه بيده إلى بائعِ تمر، والذُّبابُ محيطٌ بوعاءِ التمر، ووضعَ الحجر، ففرَّ الذُّباب، فأخذه مرة أُخرى، فعادَ الذُّباب، فوضعه مرة أُخرى، ففرَّ الذُّباب.ثم قالَ له: هذا حجرٌ يطلبه الملوكُ لموائدهم، ولو طلبتَ به خمسمائة لاشتريتُهُ منك! العملةُ النقديةُ القديمةُ بالنسبة لي ولكَ مجرد قطعة خردة، ولكنها عند عالمِ آثارٍ تُعتبرُ كنزاً!والحجرُ الأثري الذي عليه كتابات غير مفهومة، هو بالنسبة لي ولكَ مجرد حجر لا تزيد الكتابة من قيمته ولكنه عند عُلماءِ الأنثروبولوجيا يُعتبر فتحاً علمياً!عندي ديوان للمُتنبي بخطِّ ابن جني، وفيه مُداخلات بخطِّ المُتنبي نفسه، كانَ الكتابُ بالأصلِ مخطوطة ثم طُبِعَ في جُزءين، جزء طباعة حديثة، وجزء هو المخطوطة، وأنا أحفظه في مكتبتي كأنه آخر ما تبقَّى من كُنوزِ سُليمان عليه السلام، ولكنه بالنسبةِ لبقيةِ أفرادِ العائلةِ مُجرد كتاب من ضمنِ مئاتِ الكتبِ في بيتنا! ما أردتُ قوله أننا كبشر مثل هذه الأشياء التي ذكرتُها لن نشعرَ بقيمتنا إلا إذا كنا عند من يُقدرنا!حجرُ الذُّبابِ كانَ حجراً مُلقى على الأرضِ وحين جاءَ من يعرف قيمته صارَ بالنسبةِ إليه ثروة!ديوانُ المُتنبي لو أعطيته لبائعِ فلافل لمزَّقه واستخدمه لِلفِّ سندويشاته!بالمقابل أنا لو أرادوا أن يبيعوني المُوناليزا بمائةِ دولار لن أشتريها، لأنها ببساطة لا تدخل ضمن اهتماماتي!كُونوا مع الذين يعرفون قيمتكم دوماً!

copy short url   نسخ
21/08/2022
1785