تُشكك أحياناً في ما ترويه المصادر الغربية عن بعض الديكتاتوريين في أفريقيا أو العالم الثالث، خاصة بأن هناك دوماً كتلة من سوء الظن المبرر في نفاق الغرب، أكان حكومات سيادية أم سياسات إعلامية أم مؤسسات أبحاث، وأحياناً منظمات عمل تطوعي، ولسنا ندين كل تلك الظواهر المتفاعلة ولا شخصياتها الثقافية أو الحقوقية، لكن الموقف من الكتلة المركزية في الغرب، وهي الزاوية الحرجة دوماً والحجر المتدحرج على العالم الثالث، فتقديمه للإعلام دائماً ينطلق من مصالح الغرب ومواسم غنائمه، وليس من موقف تقييم الطاغية الذي يضع حقوق ذلك شعب نصب عينيه. في احتفاله بالملك فيصل أحضر الرئيس الغيني المخلوع عيدي أمين، مجموعة فتيات تردد آيات قرآنية ظناً منه أن ذلك يؤكد قوة صورته الإسلامية، كان غازي القصيبي الذي يروي هذه الحادثة حريصاً، على أن يتحقق من واقع سيرة أمين وما يروى عنه، فطلب من الديوان الملكي أن يكون وزيره المرافق، حكايات أمين ومغامراته مثيرة لكن فيها معنى عميق لأزمة الدعاية، وسطحية الفكرة التي استُثمرت في حاضر العالم الإسلامي. فسجل عيدي أمين وهو رئيس انقلابي، من خلال الأرشيف الذي نُقل عن محادثاته ومطالباته للسعودية وغيرها، وهي الدولة التي احتضنته بعد عزله، بمعنى مآله الأخير الذي يثق فيه، فالشهادة هنا عن أحد وزرائها، فقد كان للرجل إرثاً دموياً ووحشياً مفجعا، أسخط عليه الشعب وعزز قوى المعارضة، وكان كل رده عن سؤال حلفائه أو أصدقائه عن لماذا تتراجع قوته في غينيا، هو ترديده لأنني مسلم! عجزه الاقتصادي وفوضى حكمه، بناءً على تلاعبه بالثروة، كل ذلك لم يكن سبباً بزعمه، وحين تراجعت قواته بادر بالسفر للرياض ولبس لباساً يرمز للإنسان العربي، وكان هيكلاً مضحكاَ للناس، فتدخلت التشريفات وكلفت أحد الخياطين في الرياض بتفصيل ثوب له، وشراء عباءة (البشت الخليجي) أصبح يخرج فيها في اجتماعاته لتلتقطه الصور، ويُمازح هنا القصيبي قراءه، بأن الدعاية التي نشرت في حينه، أن أمين استعار من أثوابه لم يكن صحيحاً، ومن يشاهد صور عيدي أمين بالبشت، يعرف لماذا سرت تلك الدعاية، لتقارب حجم جسديهما. كان ذلك اللباس مقدمة للتقرب بقائمة مطالب أسطورية، أولها طلب منحة 1000 مليار ريال، مع أن ميزانية السعودية ذلك اليوم كانت أقل من ذلك، وسرب من الطائرات وووو.. قائمة لا تنتهي من المطالب المجنونة لصد معارضيه، لماذا يا سيادة الرئيس (المؤمن)؟ لأني أواجه كل هذا الزحف لكوني مسلما، مسلما فقط. ولم يكد الرئيس عيدي أمين يعود، حتى واصلت تنزانيا الداعمة للمعارضة زحفها وفر هارباً من جديد للسعودية، ويوم كُشفت سجلات مذابحه، لم نكن في حينها نغفل عن هذه الحقائق من معاناة أشقائنا في أفريقيا في دور أولئك المستبدين، وقد تكرر الأمر في دول عدة، لكن لا بد من الاعتراف أنه منذ ذلك اليوم وحتى هذا اليوم، لا تزال طبول الزعيم المؤمن والحزب المؤمن والقوانين (الإسلامية) المزعومة في أفريقيا وغيرها، تُستخدم لتبرير طلب الدعم والمناصرة المعنوية من الشعوب العربية. سجلات تاريخية مؤلمة وشخصيات مجرمة لا تزال تُفضح، ودعاية الرئيس المؤمن لا تزال قائمة، وهناك بغي أو تحييد أو استهداف في أفريقيا، على حساب غالبيات مسلمة أو حقوق أقليات منهم، يمارسها مستبدون بدعم سياسات غربية، لكن الحقيقة في أفريقيا أن مظالم المسلمين هي ضمن مظالم الأمم الأفريقية التي ينتمون لها، وأن أعداء الحرية والمساواة والمشاركة الشعبية هم أعدائهم، وأن حقوقهم وتقدمهم ستبقى في ظلال دول مدنية حقوقية، تحترم هويتهم الإسلامية وشعائرهم، وأن ترتبط سياساتها التعليمية والثقافية بها، بحسب كل دولة وانتماء شعبها للإسلام. وهذا يشمل أفريقيا وغيرها، فلو كانت حكومة الهند تطبق المفهوم الديمقراطي الحقيقي وتحافظ على الحقوق المدنية، لما حصلت هذه المذابح ولا الانتهاكات والتي تتجه اليوم إلى مستوى الإبادة الثقافية، وتشريع القتل على أساس الدين، لكن هنا الغطاء الديمقراطي كما هو في حالات أخرى، هو سترة تضليل كاذبة، تبرر بها سياسات عدوانية طائفية أو عرقية، ومهمة المسلمين اليوم في افريقيا استحضار رحلة رواندا الملهمة، وفهم أن استثمار مشاعرهم لفوضى مواجهات لا تزال ترتع فيها جماعات الإرهاب من الصومال إلى مالي، هو مصيدة لهم لسقوط حقوقهم وذبح شبابهم، وتمكين الغرب المنافق منهم.