مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةخلال هذه الفترة اطلعت على مادتين مهمتين متعلقتين بحركة المسرح الخليجي، وبالذات في أسباب تراجعه أو إعاقته المتعمدة، وبالطبع يبرز هنا على الفور، المسرح الكويتي الذي لا يُنافَس في صدارته، وأحسبُ أن سبب ذلك ليس غياب القدرات الفنية، ولا نماذج الإبداع في بقية الدول، وإنما هو مرتبط بمساحة الهامش الديمقراطي للحياة المدنية في الكويت، والتي لا يختلف على ضرورتها اليوم، إسلامي أو علماني، ممن عايش ورصد أزمة الحريات الخليجية، والضرورة الإنسانية للمجتمع المدني.
غير أن الكويت ذاتها، تعاني من تراجع هذا الدور الريادي، ويجب أن نُذكّر هنا بالأهمية المركزية، في صناعة وصقل ثقافة الشعوب، التي تمثلها رسالة المسرح، وكونه أحد أهم الفنون، في تشكيلة قيم الفرد والمجتمع، والأهم من ذلك، هو قدرته كأداة فنية واجتماعية وثقافية، في تحريك عجلة النقد الداخلي، بين أطياف المجتمع، وبين الرأي العام والسلطة، والذي لا يَجد ترحيباً، من كل المنظومات الأمنية وأثرها السيئ، على المؤسسات الثقافية في دول الخليج العربي.
ويُطرح دوماً غياب النص، وفقدان شخصيات ملهمة لم تعوض في تاريخ المسرح الوطني لهذه الدول، وفي الكويت تبرز شخصية الراحلين عبد الحسين عبد الرضا وخالد النفيسي وغانم الصالح رحمهم الله وغيرهم، أو قلة حضور من الأحياء حفظهم الله كالفنانين الكبيرين سعد الفرج، وأ. إبراهيم الصلال وأ. سعاد عبد الله وغيرهم من رموز خشبة المسرح.
أو من صناع النجاح خلف الكواليس إخراجاً ونصاً وغير ذلك، ولعل هذين البعدين، النص والممثل المسرحي المبدع، يُمثلان بالفعل أزمة لتقدم حركة المسرح، غير أن غياب مساحة الحرية، وهيمنة المؤسسات الثقافية على استقلال الحراك الفني، ورصد الرقيب، هو السبب الأبرز. وفي المفاجأة التي فجرها برنامج الصندوق الأسود، في حلقات المفكر السياسي الكبير، د. عبد الله النفيسي، وقعت صدمة كبيرة للجمهور، كون أن أبو المهند مع إسلاميته، كشف عن شراكة فاعلة مميزة في حركة المسرح الكويتي، من خلال الإفصاح عن شراكته في عدد من نصوص المسرحيات المهمة، ومن خلال تقديمه نصوص سيناريو فكرية، بعد أن عقد شراكة ثقافية، مع الراحل صقر الرشود رحمه الله وأ. عبد الأمير التركي. وفي برنامج خارج النص، الذي أنتجته قناة الجزيرة بعد رحيل الفنان الكبير عبد الحسين عبد الرضا، استضافت الحلقة شخصيتين من ممثلي الحركات الإسلامية، أحدهما مثّل الإخوان المسلمين والثاني التيار السلفي. ومذكّرين هنا بأن أطياف الوعي الإسلامي في الخليج العربي اليوم، تتجاوز التكتلات الحزبية والدعوية، غير أن الضيفين، قدّما رؤيتهما المعارضة لتوجهات المسرح الكويتي، وخاصةً مسرحيات عبد الحسين عبد الرضا.
جاءت الحلقة بعد أن خرج الإجماع الوطني الكويتي ذو الغالبية الساحقة، إلى المقبرة لتشييع فقيد المسرح الكويتي، وفي ذات الوقت فإن تاريخ بو عدنان، لا يُمكن أن يغفل قضية الصراع بينه وبين الإسلاميين، الذي يحتاج إلى تحرير دقيق، وربما أن واقع توظيف المسرح، الذي كان يعتقده بعض الإسلاميين، كان وارداً في بعض النصوص والأعمال، سواءً من تأثيرات الحكم أو من خلال الصراع الفكري، وخاصة في ظل شعبية المسرح الكويتي، ذو العلاقة بالاتجاهات الليبرالية.
لكن ذلك التوظيف السياسي والفكري، تضائل أمام انحطاط وتوظيف الدراما الضخم، للحركة الفنية في الخليج العربي، التي سحبت الفنان من خشبة المسرح، ودفعته في أعمال فنية درامية، يغلب عليها الإغراق العبثي والفراغ الثقافي، مع التعويض بالتوسع في قضايا شاذة فكرياً أو سلوكياً. وهو ما يعني أن المسرح كان أكثر احتراماً ومهنيةً وذو رزانة، تجمع بين الفكاهة ونشر روح المرح، الذي هو بذاته متطلب للشعوب، لا يُمكن أن يُطالب بنزعه، فهو يُساهم في الصحة النفسية للمجتمع، وتخفيف الضغوط الحياتية، وإنما يُرفض منه السمج المسيء. كما أن رسالة المسرح تعرض هموم الرأي العام، وتصنع أرضية تفاهم اجتماعية له، وتُبعث من خلاله رسائل مهمة للدولة، كلما رفع عن هذه النصوص وعن حركة الحرية الفنية القيود الأمنية، وكان الحس الأخلاقي يصلهم من داخلهم، أو من خلال المسؤول الحريص على بقاء المسرح وحريته، لا قمعه وتقييده، واستغلال التكتلات الدينية أو الاجتماعية للتبرير الأمني.
ولنا عودة مع شهادة الراحل بو عدنان.
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةخلال هذه الفترة اطلعت على مادتين مهمتين متعلقتين بحركة المسرح الخليجي، وبالذات في أسباب تراجعه أو إعاقته المتعمدة، وبالطبع يبرز هنا على الفور، المسرح الكويتي الذي لا يُنافَس في صدارته، وأحسبُ أن سبب ذلك ليس غياب القدرات الفنية، ولا نماذج الإبداع في بقية الدول، وإنما هو مرتبط بمساحة الهامش الديمقراطي للحياة المدنية في الكويت، والتي لا يختلف على ضرورتها اليوم، إسلامي أو علماني، ممن عايش ورصد أزمة الحريات الخليجية، والضرورة الإنسانية للمجتمع المدني.
غير أن الكويت ذاتها، تعاني من تراجع هذا الدور الريادي، ويجب أن نُذكّر هنا بالأهمية المركزية، في صناعة وصقل ثقافة الشعوب، التي تمثلها رسالة المسرح، وكونه أحد أهم الفنون، في تشكيلة قيم الفرد والمجتمع، والأهم من ذلك، هو قدرته كأداة فنية واجتماعية وثقافية، في تحريك عجلة النقد الداخلي، بين أطياف المجتمع، وبين الرأي العام والسلطة، والذي لا يَجد ترحيباً، من كل المنظومات الأمنية وأثرها السيئ، على المؤسسات الثقافية في دول الخليج العربي.
ويُطرح دوماً غياب النص، وفقدان شخصيات ملهمة لم تعوض في تاريخ المسرح الوطني لهذه الدول، وفي الكويت تبرز شخصية الراحلين عبد الحسين عبد الرضا وخالد النفيسي وغانم الصالح رحمهم الله وغيرهم، أو قلة حضور من الأحياء حفظهم الله كالفنانين الكبيرين سعد الفرج، وأ. إبراهيم الصلال وأ. سعاد عبد الله وغيرهم من رموز خشبة المسرح.
أو من صناع النجاح خلف الكواليس إخراجاً ونصاً وغير ذلك، ولعل هذين البعدين، النص والممثل المسرحي المبدع، يُمثلان بالفعل أزمة لتقدم حركة المسرح، غير أن غياب مساحة الحرية، وهيمنة المؤسسات الثقافية على استقلال الحراك الفني، ورصد الرقيب، هو السبب الأبرز. وفي المفاجأة التي فجرها برنامج الصندوق الأسود، في حلقات المفكر السياسي الكبير، د. عبد الله النفيسي، وقعت صدمة كبيرة للجمهور، كون أن أبو المهند مع إسلاميته، كشف عن شراكة فاعلة مميزة في حركة المسرح الكويتي، من خلال الإفصاح عن شراكته في عدد من نصوص المسرحيات المهمة، ومن خلال تقديمه نصوص سيناريو فكرية، بعد أن عقد شراكة ثقافية، مع الراحل صقر الرشود رحمه الله وأ. عبد الأمير التركي. وفي برنامج خارج النص، الذي أنتجته قناة الجزيرة بعد رحيل الفنان الكبير عبد الحسين عبد الرضا، استضافت الحلقة شخصيتين من ممثلي الحركات الإسلامية، أحدهما مثّل الإخوان المسلمين والثاني التيار السلفي. ومذكّرين هنا بأن أطياف الوعي الإسلامي في الخليج العربي اليوم، تتجاوز التكتلات الحزبية والدعوية، غير أن الضيفين، قدّما رؤيتهما المعارضة لتوجهات المسرح الكويتي، وخاصةً مسرحيات عبد الحسين عبد الرضا.
جاءت الحلقة بعد أن خرج الإجماع الوطني الكويتي ذو الغالبية الساحقة، إلى المقبرة لتشييع فقيد المسرح الكويتي، وفي ذات الوقت فإن تاريخ بو عدنان، لا يُمكن أن يغفل قضية الصراع بينه وبين الإسلاميين، الذي يحتاج إلى تحرير دقيق، وربما أن واقع توظيف المسرح، الذي كان يعتقده بعض الإسلاميين، كان وارداً في بعض النصوص والأعمال، سواءً من تأثيرات الحكم أو من خلال الصراع الفكري، وخاصة في ظل شعبية المسرح الكويتي، ذو العلاقة بالاتجاهات الليبرالية.
لكن ذلك التوظيف السياسي والفكري، تضائل أمام انحطاط وتوظيف الدراما الضخم، للحركة الفنية في الخليج العربي، التي سحبت الفنان من خشبة المسرح، ودفعته في أعمال فنية درامية، يغلب عليها الإغراق العبثي والفراغ الثقافي، مع التعويض بالتوسع في قضايا شاذة فكرياً أو سلوكياً. وهو ما يعني أن المسرح كان أكثر احتراماً ومهنيةً وذو رزانة، تجمع بين الفكاهة ونشر روح المرح، الذي هو بذاته متطلب للشعوب، لا يُمكن أن يُطالب بنزعه، فهو يُساهم في الصحة النفسية للمجتمع، وتخفيف الضغوط الحياتية، وإنما يُرفض منه السمج المسيء. كما أن رسالة المسرح تعرض هموم الرأي العام، وتصنع أرضية تفاهم اجتماعية له، وتُبعث من خلاله رسائل مهمة للدولة، كلما رفع عن هذه النصوص وعن حركة الحرية الفنية القيود الأمنية، وكان الحس الأخلاقي يصلهم من داخلهم، أو من خلال المسؤول الحريص على بقاء المسرح وحريته، لا قمعه وتقييده، واستغلال التكتلات الدينية أو الاجتماعية للتبرير الأمني.
ولنا عودة مع شهادة الراحل بو عدنان.