عندها هاجر حمزة بن عبد المطلب إلى المدينة تركَ في مكة زوجته سلمى بنت عُميس وابنته الوحيدة أُمامة…
دارتْ الأيام واستشهدَ حمزة في أُحُد، وماتتْ سلمى بمرضٍ نزلَ بها، فبقِيَتْ أُمامة في بيوتِ من بَقِيَ من بني هاشم في مكة. ولمَّا كان صُلح الحُديبية، وجاء النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم للعُمرة، جاءتْ أُمامة تركض إليه وتقول: يا عم، يا عم! طبعاً هو ابن عمها ولكنها نادته عمَّها أدباً منها فهي في العاشرة من عمرها وكان هو قد ناهزَ الستين!
ولكنَّ زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعلي بن أبي طالب أراد كل منهم أن يُربيَها أيضاً في بيته، فتنازعوا أمرها عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم!
فقال علي: أنا أخذتُها أولاً، وهي ابنة عمي، وعندي ابنة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهي أحقُّ بها!
وقال زيد: هي ابنة أخي! يقصد ما كان بينه وبين حمزة من الحُب والأُخُوَّة!
وقال جعفر: هي ابنة عمي، وخالتها امرأتي، وذلك أنَّ زوجته هي أسماء بنت عميس أخت سلمى بنت عميس والدة أمامة.
فقضى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لجعفر، وقال: الخالة بمنزلة الأُم!
ثم قال: أما أنتَ يا جعفر فأشبهتَ خَلقي وخُلُقي، وأما أنتَ يا علي فمنِّي وأنا منك، وأما أنت يا زيد فأخونا ومولانا!
و?نظُرْ لرُقيِّ الصحابة، خلافٌ استعرَ، ونزاعٌ نشبَ، لا على مالٍ ولا قطعةِ أرضٍ، وإنما تسابقوا إلى الخير، كلٌّ منهم يُريدُ أن يَكفلَ أُمامة ويُربِّيَها في بيته، بهذه القُلوب سبقونا، ولهذه النفوس الراقية اصطفاهم الله سُبحانه لصُحبة نبِيِّه!
و?نظُرْ لأدب النُبُوَّة، إنَّه يُطيِّبُ خاطر المُتخاصمين، ويُذكِّرهم بصفاتهم الجميلة، وبمكانتهم في قلبه، فإذا قضيتَ بين صديقين أو قريبين، فالسُّنَّة أن تُطيِّبَ خاطر الذي لم ترَ الحقَّ معه! ربما اختلَفَتْ زوجتك وأختك، فرأيتَ الحقَّ مع أختك، فلا بأس أن تقولَ لزوجتك أنا أحبكِ، وأنتِ غالية عندي، ولكنَّ الحقُّ مع أختي، أو العكس، لا تكُن حكماً فقط، كن طبيب قلوب!
ومن أدبِ القضاءِ بين المُتنازِعِين أن تُبيِّنَ العِلة التي لأجلها كان الحُكم، فجعفرُ حظيَ بكفالة أُمامة لأن خالتها زوجته، بيان عِلَّة الحُكم يُريح النفوس ويطردُ الشكوك!
ثم هنا بيت القصيد: الخالة بمنزلة الأم!
عبادة منسيَّة، ورحم لا يلتَفِتُ الناس إليه كثيراً! بِرُّ الخالة من بِرِّ الأم، فلا تزهدوا بخالاتكم!
بقلم: أدهم شرقاوي