«لحظة تاريخية»..

كلمتان تحملان في ثناياهما أملا كبيرا يعلقه الأردن على ما تشهده جارته الشمالية سوريا من تطورات، كانتا من ضمن منشور لوزير الخارجية أيمن الصفدي قبل أيام، دعا فيه إلى وجوب الوقوف مع الشعب السوري لمساعدته على تحقيق «منجز تاريخي».عمان عانت كثيرا من تداعيات الأزمة السورية، سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وعاشت حالة «جفاء» مع دمشق، إذ لم تسلم من اتهامات النظام المخلوع بدعم الجماعات المسلحة، رغم نفي المملكة لذلك مرارا وتكرارا، وتأكيد دعمها للحل السياسي السلمي.

لم يمنع ذلك من تطبيع العلاقات بين البلدين، لكنه لم يغير واقع التأثيرات التي عاشها الأردن، فقد تواصلت معاناة مقاومة عمليات التسلل والتهريب بسبب عدم قدرة نظام الأسد على السيطرة ووضع حد لها، كما لم يحدث ذلك تغييرا في الملف الاقتصادي وعودة التبادل التجاري بين البلدين إلى سابق عهدها.

ويرتبط الأردن مع جارته الشمالية سوريا بحدود طولها 375 كلم، ما جعل المملكة من بين الدول الأكثر استقبالا للسوريين، بعدد بلغ 1.3 مليون، نصفهم يحملون صفة لاجئ.

وفي 14 ديسمبر/‏ كانون الأول الجاري، استضافت مدينة العقبة أقصى جنوب الأردن، اجتماعات وزارية دولية ناقشت التطورات في سوريا وأكدت دعم دمشق، هي الأولى منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 من الشهر نفسه.

وبعد 10 أيام من سقوط الأسد، بدأ الأردن تسيير الشحن التجاري مع سوريا، تبعه إجراء وزير الخارجية أيمن الصفدي زيارة رسمية إلى دمشق، التقى خلالها قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، ليكون أول مسؤول عربي يلتقيه.

تلك المعطيات تؤكد حرص المملكة للانفتاح على سوريا جديدة، حيث أكد الصفدي في تصريحات عقب لقائه الشرع أن «إعادة بناء سوريا أمر مهم للأردن وللمنطقة كلها».

ويبقى مستقبل علاقات الأردن مع سوريا رهن قدرة الإدارة الجديدة على إزالة عوامل القلق لعمان، والتي فرضت عليها زمن النظام المخلوع، وخاصة التحديات الأمنية، إلى جانب نتائج اقتصادية تعوض ما تكبدته من خسائر طوال السنوات الماضية.

مرحلة جديدة

أستاذ الدراسات الاستراتيجية بجامعة الحسين بن طلال في الأردن (حكومية) حسن الدعجة، بين في حديثه للأناضول، أن «العلاقات الأردنية السورية شهدت مراحل متعددة من التعاون والتوتر، وكانت التجارة الثنائية دائما مؤشرا مهما لطبيعة العلاقات بين البلدين».

وأضاف: «مع استئناف التجارة الثنائية، يبدو أن العلاقات تتجه نحو مرحلة جديدة من التعاون مدفوعة بالمصالح المشتركة، لكنها محفوفة بالتحديات السياسية والاقتصادية والأمنية».

ورأى أن «استئناف التجارة يمثل فرصة لكلا البلدين لتعزيز اقتصاديهما، فالأردن منفذ استراتيجي للصادرات السورية إلى دول الخليج، في حين يعتمد الأردن على سوريا ممرا تجاريا رئيسيا إلى أوروبا وتركيا».

وبين الأكاديمي الأردني أن «هذه المصالح المشتركة الجانبين قد تدفع إلى تجاوز بعض الخلافات السياسية وتكثيف التعاون في مجالات النقل والزراعة والطاقة».

وأكمل: «على الصعيد السياسي، تتطلع الإدارة السورية الجديدة إلى تعزيز الانفتاح الإقليمي، لكنها تواجه تحديات داخلية ودولية معقدة، والأردن الذي يتبنى سياسة الحياد النسبي، يمكنه أن يلعب دور الوسيط بين سوريا والمجتمع الدولي، ويعزز دورها الإقليمي ويضمن استقرار حدودها».

واستدرك: «لكن تظل المخاوف الأمنية تشكل مصدر قلق كبيرا؛ إذ يتعين على البلدين العمل معا لمكافحة تهريب المخدرات، وهي قضية شائكة، بالإضافة إلى مكافحة الإرهاب وضبط الحدود، وسيكون التعاون الأمني حجر الزاوية لبناء الثقة بين الجانبين».

وختم الدعجة: «في المجمل، يبدو مستقبل العلاقات الأردنية السورية واعداً إذا تم استثمار الزخم التجاري في تعزيز الحوار السياسي وحل القضايا العالقة، ومن خلال تبني نهج متوازن، يمكن للبلدين بناء شراكة قائمة على المصالح المشتركة والتغلب على التحديات بطريقة تخدم الاستقرار والتنمية في المنطقة».

حقيقة واقعة

أما المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي الأردني عامر السبايلة، فاعتبر في حديثه للأناضول، أن «مستقبل العلاقة بين البلدين لا يستطيع أحد أن يتنبأ به؛ لأنه يعتمد على خيارات الطرفين والمتغيرات التي قد تشهدها الساحة السورية».

وقال إن «الرسائل التي ترسلها الإدارة الحالية في سوريا إيجابية، ولكن قدرتها على ترجمتها تبقى مبهمة وغير واضحة وتحتاج إلى وقت خصوصا أننا نتحدث عن جغرافيا واسعة ومليئة بالتناقضات».

وأردف السبايلة: «بالتالي التعامل مع سوريا كأنها وحدة واحدة في هذه المرحلة قد يكون صعبا، لكن لا بد من التكيف مع الواقع الجديد والتعامل معه».

وزاد: «فيما يتعلق بالأردن الوضع الجديد في سوريا أصبح حقيقة واقعة على حدوده، ومضطر أيضا أن يجد لنفسه طريقة لضمان مصالحه الأمنية والسياسية والاقتصادية».

واستطرد: «أحد العناوين الواضحة اليوم هو هذه الإدارة التي ظهرت، ومهم أن يكون الأردن قريبا وقادرا أن يؤثر عليها ويساعد في إيجاد صيغة حلول مستقبلية».

مستقبل واعد

الكاتب والمحلل السياسي عبد الحكيم القرالة قال للأناضول: «من الواضح أن العلاقات الأردنية السورية بدأت العودة إلى مجاريها الطبيعية على كافة الصعد بعيد سقوط نظام الأسد».

ولفت في حديثه إلى ما سماها «مؤشرات إيجابية»، معتبرا أن لزيارة الصفدي إلى دمشق ولقائه الشرع «دلالات كبيرة في الزمان والمكان»، على حد قوله. إذ أوضح أنها تأتي في «إطار التنسيق المفضي إلى تطوير العلاقات الودية بين البلدين والاشتباك الإيجابي الأردني الذي يدعم عملية الانتقال السياسي عبر الحوار السوري الوطني الجامع دونما إقصاء لأي طرف وبما يضمن أمن واستقرار ووحدة سوريا». ورأى القرالة أن «الرسائل المتبادلة بين عمان ودمشق ممثلة بالإدارة الجديدة تشي بمستقبل واعد من العلاقات المتينة القائمة على إعلاء مصالح البلدين».

وأكمل: «الواضح أن الرسائل بين البلدين كانت إيجابية وواضحة وقائمة على تجسيد الثقة، والأيام حبلى بالأحداث والمواقف التي تحكم على نجاح هذه الثقة من عدمه».