تشكل العلاقة بين الصحة النفسية وصحة الفم موضوعاً ذا أهمية متزايدة في الأبحاث الطبية، حيث يعاني الأفراد الذين لديهم اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب والقلق من تأثيرات سلبية على صحة الفم، حيث تدهور العناية الشخصية إلى مشاكل صحية معقدة تتطلب تدخلاً طبياً.
وتؤكد د. نجاة اليافعي - مدير قسم صحة الفم والأسنان الوقائية والتعزيزية بإدارة الصحة الوقائية بمؤسسة الرعاية الصحية الأولية - خلال حوارها لـ«الوطن » أن الاكتئاب يؤثر بشكل كبير على قدرة الشخص على الاهتمام بالنظافة الشخصية، بما في ذلك تنظيف الأسنان يومياً. فالأشخاص المصابون بالاكتئاب غالباً ما يشعرون بالإرهاق العقلي واللامبالاة، ما يؤدي إلى إهمال تنظيف الأسنان بانتظام، حيث تُظهر الأبحاث الحديثة في 2019م أن الأفراد الذين يعانون من اكتئاب حاد يتعرضون لزيادة في مشاكل تسوس الأسنان بنسبة 20-30 % مقارنة بمن لا يعانون من هذا الاضطراب، وأن تراكم الجير والبكتيريا على الأسنان يؤدي إلى التهابات اللثة وتسوس الأسنان. بالإضافة إلى ذلك، يشير بعض الباحثين إلى أن الأشخاص المكتئبين قد يلجؤون إلى تناول الأطعمة السكرية والمشروبات الغازية بكثرة كوسيلة للتخفيف من الضغط النفسي، مما يزيد من احتمالية الإصابة بمشاكل الأسنان. وقد نشرت دراسة في 2017 أكدت على أن السلوكيات غير الصحية المتعلقة بالغذاء غالباً ما تتفاقم نتيجة للاكتئاب، مما يزيد من خطر تسوس الأسنان. وأضافت د. اليافعي: لقد ارتبط القلق المزمن بزيادة حدوث صرير (احتكاك/جز) الأسنان الليلي حيث إنها تحدث بشكل لا إرادي أثناء النوم، وقد أشارت دراسات عديدة على ذلك منها دراسة نُشرت في 2020م إلى أن الأشخاص الذين يعانون من مستويات عالية من القلق هم أكثر عرضة للإصابة بصرير الأسنان مقارنة بمن لا يعانون من القلق. ومثل هذا القلق أو الاضطراب يؤثر على مينا الأسنان ويؤدي إلى تشققات صغيرة يمكن ملاحظتها عند فحص الأسنان، ما قد يتسبب في آلام الفكين والصداع.
علاج صرير الأسنان
وتابعت «لا بد من علاج صرير الأسنان حال معرفته بنفسك أو إعلامك به حيث إن مثل هذه الحالات قد تتطور الحالة لتتطلب تدخلات طبية تشمل العلاج بالأجهزة أو الجراحة. بالإضافة إلى التأثير المباشر، فإن التوتر العصبي يلعب دوراً في تفاقم هذه المشكلة نتيجة التأثير السلبي على الجهاز العصبي الذي يتحكم في العضلات المسؤولة عن حركة الفم».
وأكدت أن الأشخاص الذين يتناولون أدوية مضادة للاكتئاب أو القلق فهم يعانون غالباً من «جفاف الفم» كأحد الآثار الجانبية لهذه الأدوية التي تؤثر على إنتاج اللعاب، وفي هذا الصدد فقد كانت هناك دراسة في عام 2018م أظهرت أن 70 % من الأشخاص الذين يتناولون مضادات الاكتئاب يعانون من جفاف الفم. وبما أن اللعاب يساهم في الحفاظ على صحة الفم، فإن انخفاضه يزيد من خطر تطور المشاكل الصحية في الفم والأسنان فيكونون أكثر عرضة لتدهور صحة الفم مما يزيد من خطر تسوس الأسنان والتهابات اللثة.
نوهت د. نجاة أنه من خلال الفحوص المبكرة والزيارات الروتينية، يستطيع أطباء الأسنان أن يلاحظوا العلامات الأولية لاضطرابات نفسية غير مشخصة، مثل تدهور العناية بالفم أو وجود علامات صرير الأسنان حيث أشار خبراء الصحة النفسية في دراسة عام 2021م إلى أن تعاون أطباء الأسنان مع الأطباء النفسيين يُمكنهم من تقديم رعاية شاملة للمريض، مما يُسهم بشكل كبير في تحسين نوعية الحياة للمرضى الذين يعانون من اضطرابات نفسية، وهذا التكامل في العمل يُتيح علاج المشاكل الصحية والنفسية معاً.
الأسنان والصحة النفسية
إلى جانب دور المتخصصين في الرعاية الصحية، يلعب المريض دوراً حاسماً بل وأساسياً في العناية بصحته الفموية خلال تدهور حالته النفسية ولا بد للمريض أن يُدرك أن الاضطرابات النفسية على صحة الفم والأسنان كما تؤثر على الجسد، وهكذا سيعزز الحافز للاهتمام وللحفاظ على الروتين اليومي للعناية بالأسنان كتنظيف الأسنان مرتين يومياً واستخدام خيط الأسنان. يمكن للمريض طلب المساعدة من الأسرة أو مقدمي الرعاية في تنظيف أسنانه في حالة عدم قدرته على ذلك بسبب مرضه. ولا بأس من أن تقوم الأسرة أو من يقدم الرعاية للمريض من استخدام التقنيات الحديثة مثل فرشاة الأسنان الكهربائية، أو جهاز دفع الماء لتنظيف الأسنان وما بين الأسنان عِوضاً عن الفرشاة العادية وخيط الأسنان حيث ستُسهل العناية بالأسنان. كذلك فإن التحكم في النظام الغذائي والحد من استهلاك الأطعمة السكرية والحلويات هو جزء مهم من تقليل فرص الإصابة بالتسوس. للمساهمة في تحسين الحالة النفسية، قد تساعد بعض الأنشطة مثل الرياضة على تخفيف التوتر والقلق، ما يؤدي إلى تقليل العادات الضارة بالفم مثل صرير الأسنان. وبما أن التمارين الرياضية تساعد في إفراز الإندورفين، وهو الهرمون المسؤول عن تحسين الحالة المزاجية، فسوف يساهم ذلك في تعزيز الصحة النفسية وتقليل الأعراض المرتبطة بالقلق والاكتئاب. كما أن الإدارة السليمة للتوتر عبر تقنيات التنفس العميق أو استشارة مختصين في الصحة النفسية يمكن أن تقلل من التأثيرات الضارة لهذه الاضطرابات على صحة الفم.
علاقة متعددة الجوانب
وأكدت أن زيارة طبيب الأسنان أو أخصائي صحة الفم والأسنان بانتظام إحدى الطرق المهمة للمحافظة على صحة الفم حيث يُقدم له النصائح وطرق الوقاية، وستُكتشف أي مشاكل بالفم في وقت مبكر، كذلك فإن تقديم الدعم النفسي إلى جانب الرعاية السنية يساعد في تحسين حالة المريض من الجوانب الجسدية والنفسية على حد سواء. واختتمت حديثها مؤكدة إن العلاقة بين الصحة النفسية وصحة الفم هي علاقة معقدة ومتعددة الجوانب، فالاكتئاب والقلق يؤثران بشكل مباشر على العناية بالفم، مما يؤدي إلى مشاكل فموية مثل تسوس الأسنان، التهابات اللثة، وصرير الأسنان. ومن ناحية أخرى فإن مشاكل الفم غير المعالجة تؤدي إلى تفاقم الأعراض النفسية وزيادة مشاعر الألم والعزلة والاكتئاب. لذلك، فإن تعاون أطباء الأسنان والأطباء النفسيين لتقديم رعاية متكاملة يساعد المرضى على تحسين حالتهم النفسية وصحة الفم في آن واحد، ويبقى أن العامل المهم هو جدية المريض في اتخاذ الخطوات الصحيحة للاهتمام بالفم والأسنان وتحسين حالته النفسية.