في قديم الزمان، وفي أحد البلاد العربية، كان هناك ملك يسأل على الدوام ما إذا كان الطبع يغلب التطبع أم العكس؟ فكان الوزير يؤكد له باستمرار أن الطبع يغلب التطبع. بيد أن الملك في قرارة نفسه كان يأمل قدوم شخص يثبت له نقيض ذلك.
وعلى الفور أعلن الملك عن رغبته تلك في كل الأرجاء، وسار المنادي يخبر الناس أن من يستطيع أن يثبت للملك بالدليل القاطع أن التطبع يغلب الطبع، فلسوف يهبه الملك مكافأة قيمة مجزية.
وفي يوم من الأيام، جاء رجل إلى الملك، وأخبره أنه يملك دليلاً على أن التطبع يغلب الطبع، والدليل هو عبارة عن مجموعة قطط ستقف على قدميها وهي تحمل بعض الشموع في الوقت الذي يمر فيه الملك من أمامها. فأذن الملك للرجل بإحضار قططه في اليوم التالي، وضمن له الجائزة إن هو صدق في وعده.
في صبيحة اليوم التالي، وبينما الملك يسير، كانت القطط مجتمعة وهي على الحالة التي أخبره الرجل عنها بالضبط. فقال الملك لوزيره والسعادة تعلو وجهه: «أرأيت كيف أن التطبع يغلب الطبع؟!»، فما كان من الوزير إلا أن طلب من أحد خدم الملك أن يجمع بعض الفئران، ويطلقها عندما يمر الملك في اليوم التالي.
ولما جاء الغد أطلق الخادم الفئران أثناء مرور الملك من أمام القطط التي تحمل الشموع، فألقت القطط شموعها فور رؤيتها للفئران، وأخذت تجري خلفها مطاردة إياها كما تفعل في كل مرة ترى فيها تلك الكائنات الصغيرة.
فتطلع الوزير إلى الملك، وأردف قائلاً: ما رأيك الآن يا جلالة الملك؟ فرد عليه الملك مجيباً والحزن بادٍ على محياه: أرى أن الطبع غلب التطبع. ومن وقتها صار ذاك الجواب مثلاً يتداوله الناس على مر العصور والأزمنة حتى يومنا هذا في كثير من المواقف، من بينها عندما يحاول المرء تغيير أحد الناس فيخفق في محاولاته لأن الطبع أقوى من التطبع، ولأن معظم البشر يحبون عاداتهم القديمة، ويجدون صعوبة في التخلي عن طباعهم التي ورثوها عن أهلهم واكتسبوها من البيئة المحيطة.
لهذا فإن محاولة تغييرك لبعض الناس أشبه بمن يضرب حائطاً بوردة عله يحطمه، لكنه في النهاية يحطم الوردة التي بين يديه. كذلك الحال مع فئة من الأشخاص الذين لا سبيل إلى تغييرهم مهما اتخذت من أسباب وبذلت من جهد، ذلك أنهم غير قابلين للتغيير، وكأن عقولهم وأفئدتهم خُتمت بالشمع الأحمر.
إن كل ذلك في الواقع من نواميس الكون، فلو كان كل الناس مستعدين ليكونوا أفضل لغدت الدنيا جنة كل من فيها محب ومعطاء وفاعل للخير على الدوام. لكن شاءت سنة الحياة أن يكون هناك تباين بين البشر حتى يكون للوجود معنى، وحتى نفرق بين الخير والشر، والصالح والطالح، والإنسان الذي يسعى جاهداً للارتقاء بذاته، ومن لا يريد أن يغير في ذاته حبة رمل واحدة.
لهذا تذكر دائماً، أنه رغم كل الماء العذب الذي تسكبه السماء في قلب البحر، إلا أنه يبقى مالحاً، فلا ترهق نفسك في محاولة تغيير جميع من حولك، فبعض الناس لا يتغيرون مهما فعلت؛ لأنهم أشبه بأصنام أو مومياوات تمشي على الأرض.
وتلك الفئة لا هم لأصحابها سوى ملء بطونهم بما لذ وطاب، وملء جيوبهم بكل قرش يقع بين أيديهم، في الوقت الذي يفتقرون فيه إلى عقول مستعدة لتفتح أبوابها أمام الحكمة والجمال والحب، وإلى قلوب مستعدة لاستقبال نور الشمس، نور الحقيقة والعدالة والقيم السامية. لكنك في المقابل، تستطيع أن تعمل على تغيير نفسك نحو الأفضل، فترتقي بعلمك، وتسمو بأخلاقك، وتبقى حاضراً في ذاكرة التاريخ بعملك الصالح. وبالتالي، لن يضرّك إذا كان البحر مالحاً، طالما أنك نقي كماء عذب!