من عجائب البعض أنهم جبلوا على عدم الشعور سوى بأنفسهم.
فإن قيل لأحدهم: الصداع يدمر رأسي
يكون رده: بدني كله علل
وإن اشتكى له صديق من مشكلة في وظيفته
يكون جوابه: أعلم بمشكلتك منذ فترة، فلا يخفى عليّ شيء
يُسره جاره بخبر انفصاله عن زوجته
فيكون رده: كنت أتوقع ذلك، فلطالما حذرتك من سوء اختيارك.
وحتى لو أخبره زميله أن سيارته قد تهشمت إثر حادث
فيرد بعبارة تهكم وسخرية من زميله الذي ابتاع سيارة باهظة الثمن، وقد يقول له: مالك الآن ملقى على الأرض.
فأهم شيء لدى تلك الفئة من البشر هو إثبات فراستهم وأنهم لا تخفى عليهم خافية!
الغريب أنهم لا يشعرون أن فراستهم تلك لم تأت من فراغ، فهناك من كان يسعى للتلميح بمصائبه لاختبار إنسانيتهم. ففراستهم تم تغذيتها من الأخبار التي كان يعمد أصدقاؤهم لتسريبها لهم، لعلهم يشفقون، وما أشفقوا.
ما أتعسك حين يكون رد فعلك الوحيد هو التبكيت و«النقرزة» والنقد مع التسخيف وإظهار الفراسة، ومحاولة إثبات إحاطتك ببواطن الأمور ويكأنك بصار ببلورة سحرية.. ثم تنتظر شكرا.
ما أشقاك حينما تتجاهل بلية زميلك لتظهر بمظهر من لا تفوته صغيرة أو كبيرة!
ما أقساك حين يعُري لك صديقك عورات فشله، فتشرب من دمعه وتعض في جراحه بأسنانك وتلوكه بلسانك في عرضه عوضًا عن تضميد جراحه ومواساته بيمناك وعيناك.
حين يشتكي صديقك، فهو ينتظر منك نظرة عطف، ربتة كتف، لمسة حنان، كلمة مؤازرة، غمرة إشفاق، شهقة قلق، أعين مشدوهة، وليتك تظهر له استياءك لما ألّم به. أما وأن تعيره فهذا والله لظلم عظيم.
فإنه لا أمر من ظُلم البعيد سوى خذلان القريب، كما أن شعرة مؤازرة من صديق، تزيح أطنانا من تعسف الخصوم.
-أخبرني ابني أن مدرسه مكث غير قليل يشتكي له من ظلم وقع عليه من مدير المدرسة الخاصة حين خصم نصف راتبه، حتى أن المدرس سأل ابني: قل لي، كيف أعيش، كيف آكل وأشرب وأدفع إيجار سكني وأكلاف فواتيري بعدما قلصوا راتبي للنصف؟
سألت ابني: ماذا كان ردك؟
قال: اكتفيت بالإصغاء، فهو لم يكن يحتاج سوى الإنصات، لم يكن يعوزه سوى التعاطف وإظهار الاهتمام.
في سورة المجادلة، ذكر الله الاستماع في آية واحدة ثلاث مرات:
«قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ? إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ»
ليتك تجعل حدود رحمتك مطلقة، فكلنا في الضعف شرق.

داليا الحديدي
كاتبة مصرية