+ A
A -
حمد التميميلا تشن الدول الحرب بالسلاح فحسب، بل تنشر أيضاً إشاعات غريبة من وقت لآخر. اختبرت روسيا هذا منذ قرون وما تزال تفعل ذلك. يعد نشر قصة «قرى بوتيمكين» أنجح «حملة علاقات عامة» سلبية في التاريخ، حيث استمرت هذه الأسطورة لأكثر من مائتي عام.
ففي عام 1787م، طلبت الإمبراطورة كاثرين من القائد العسكري الروسي المخضرم ألكساندروفيتش بوتيمكين – الذي حظي باهتمامها بعد مساعدته إياها في الانقلاب على الحكم عام 1762م - بناء مساحات شاسعة من المستوطنات الاصطناعية المزيفة على طول طريقها إلى شبه جزيرة القرم لتجنيبها رؤية الواقع المرير للمقاطعات.
وقد قام المصور الفوتوغرافي النمساوي جريجور سيلر بتوثيق قرى بوتيمكين بعدسته، وذلك أثناء رحلة استكشافية قام بها في حزيران سنة 2015م. وعبّر واصفاً المكان بقوله: «إنه مكان منعزل، مليء بالمباني التي لن يعيش فيها أحد على الإطلاق، إنها مثل مدينة الأشباح - الرياح تحطم الأبواب، وتعصف بالشوارع».
ويجدر بالذكر أنه تم بناء العديد من قرى بوتيمكين في جميع أرجاء العالم، من معسكر اعتقال تريزنشتات إلى قرية كيجونج دونج المزيفة في كوريا الشمالية. وحاول سيلر بالفعل زيارة هذا الأخير لاستكمال مشروعه لكنه لم يتمكن من الحصول على تصريح الزوار اللازم.
أما المصور الفذ الذي التقط صوراً لتلك القرى المزيفة «سايلر»، فلقد تلقى تعليمه في النمسا وألمانيا حيث تخصص في التصوير المعماري، وسافر إلى العديد من الوجهات في العالم، والتقط صوراً للعمارة في تلك الأماكن.
وصرح «سايلر» بأن التقاط صور قرية بوتيمكين لم يكن بالأمر السهل، حيث يصف أنه غالباً ما كان عليه التقاط الصور تحت الضغط، خاصة في المناطق المحظورة، حيث تعلم أن لديك فرصة واحدة فقط.
أما الهدف الذي كان يسعى إليه المصور في البداية فهو تمكين المشاهدين من الوصول إلى عوالم جديدة وتوعية تصورهم للموضوعات الجديدة، كي يبدؤوا في التفكير والتساؤل والمناقشة.يقول جريجور عن الطريقة التي يتمنى أن يتفاعل بها الناس مع صوره: «من ناحية أخرى، فإن السطح المرئي الجمالي للأعمال مهم بالنسبة لي، يجب أن يكون الأشخاص أيضًا قادرين على الاستمتاع بقراءة الصور حتى لو كان المحتوى في الخلفية مظلماً».
ينصب التركيز الرئيسي لجريجور كمصور على التصوير الوثائقي والهندسة المعمارية في سياق المناظر الطبيعية والعمران، فهو مهتم بعلامات وآثار البشر أكثر من أي شيء آخر. ونظراً لدراسته في ألمانيا، كان المصورون الألمان هم المؤثرون الرئيسيون على ممارسته.وإن الصور التي التقطها ليست محض تصوير لما هو مرئي، بل تتعدى ذلك إلى كونها صوراً تستكشف الحدود الفاصلة بين الواقع والوهم.
منذ ذاك اليوم الذي شيّدت فيه تلك المدن الزائفة وحتى يومنا هذا، ارتبط مفهوم «قرى بوتيمكين» بالأماكن الاصطناعية التي يتم إنشاؤها بهدف إخفاء الهوية الحقيقة والواقع السيئ في مكان ما كما وارتبط هذا المصطلح بحياتنا اليومية كتعبير رمزي عن الغش والخداع وإعادة تشكيل الواقع.
وما نزال إلى وقتنا الحاضر نشهد أمثلة شبيهة بما جرى في القرن الثامن عشر، حيث ننفق أموالاً طائلة لتجميل الواقع بدلاً من الاعتراف بتقصيرنا والحال الذي أوصلنا مجتمعاتنا إليه، ونقيم الدنيا ونقعدها إذا كان هناك استقبال لوزير فلاني في إحدى المناسبات حتى تظهر الدائرة التي يزورها الوزير أو مكان الاجتماع بأبهى صورة، في حين أن واقع الحال نقيض ذلك في الأيام العادية.
مظاهر خادعة هنا وهناك، أما الواقع فعكس ذلك في كثير من الأحيان، إن أردنا أن يكون لنا بصمة في التاريخ فلا بد أن نقف أمام المرأة ونتجرد من كل الأكاذيب والشعارات الرنانة لنعترف بأننا بحاجة إلى الإصلاح وتغيير المفاهيم والعمل من أجل مستقبل أفضل، لا إلى «قرى بوتيمكين» جديدة.
Instagram: hamadaltamimiii
ففي عام 1787م، طلبت الإمبراطورة كاثرين من القائد العسكري الروسي المخضرم ألكساندروفيتش بوتيمكين – الذي حظي باهتمامها بعد مساعدته إياها في الانقلاب على الحكم عام 1762م - بناء مساحات شاسعة من المستوطنات الاصطناعية المزيفة على طول طريقها إلى شبه جزيرة القرم لتجنيبها رؤية الواقع المرير للمقاطعات.
وقد قام المصور الفوتوغرافي النمساوي جريجور سيلر بتوثيق قرى بوتيمكين بعدسته، وذلك أثناء رحلة استكشافية قام بها في حزيران سنة 2015م. وعبّر واصفاً المكان بقوله: «إنه مكان منعزل، مليء بالمباني التي لن يعيش فيها أحد على الإطلاق، إنها مثل مدينة الأشباح - الرياح تحطم الأبواب، وتعصف بالشوارع».
ويجدر بالذكر أنه تم بناء العديد من قرى بوتيمكين في جميع أرجاء العالم، من معسكر اعتقال تريزنشتات إلى قرية كيجونج دونج المزيفة في كوريا الشمالية. وحاول سيلر بالفعل زيارة هذا الأخير لاستكمال مشروعه لكنه لم يتمكن من الحصول على تصريح الزوار اللازم.
أما المصور الفذ الذي التقط صوراً لتلك القرى المزيفة «سايلر»، فلقد تلقى تعليمه في النمسا وألمانيا حيث تخصص في التصوير المعماري، وسافر إلى العديد من الوجهات في العالم، والتقط صوراً للعمارة في تلك الأماكن.
وصرح «سايلر» بأن التقاط صور قرية بوتيمكين لم يكن بالأمر السهل، حيث يصف أنه غالباً ما كان عليه التقاط الصور تحت الضغط، خاصة في المناطق المحظورة، حيث تعلم أن لديك فرصة واحدة فقط.
أما الهدف الذي كان يسعى إليه المصور في البداية فهو تمكين المشاهدين من الوصول إلى عوالم جديدة وتوعية تصورهم للموضوعات الجديدة، كي يبدؤوا في التفكير والتساؤل والمناقشة.يقول جريجور عن الطريقة التي يتمنى أن يتفاعل بها الناس مع صوره: «من ناحية أخرى، فإن السطح المرئي الجمالي للأعمال مهم بالنسبة لي، يجب أن يكون الأشخاص أيضًا قادرين على الاستمتاع بقراءة الصور حتى لو كان المحتوى في الخلفية مظلماً».
ينصب التركيز الرئيسي لجريجور كمصور على التصوير الوثائقي والهندسة المعمارية في سياق المناظر الطبيعية والعمران، فهو مهتم بعلامات وآثار البشر أكثر من أي شيء آخر. ونظراً لدراسته في ألمانيا، كان المصورون الألمان هم المؤثرون الرئيسيون على ممارسته.وإن الصور التي التقطها ليست محض تصوير لما هو مرئي، بل تتعدى ذلك إلى كونها صوراً تستكشف الحدود الفاصلة بين الواقع والوهم.
منذ ذاك اليوم الذي شيّدت فيه تلك المدن الزائفة وحتى يومنا هذا، ارتبط مفهوم «قرى بوتيمكين» بالأماكن الاصطناعية التي يتم إنشاؤها بهدف إخفاء الهوية الحقيقة والواقع السيئ في مكان ما كما وارتبط هذا المصطلح بحياتنا اليومية كتعبير رمزي عن الغش والخداع وإعادة تشكيل الواقع.
وما نزال إلى وقتنا الحاضر نشهد أمثلة شبيهة بما جرى في القرن الثامن عشر، حيث ننفق أموالاً طائلة لتجميل الواقع بدلاً من الاعتراف بتقصيرنا والحال الذي أوصلنا مجتمعاتنا إليه، ونقيم الدنيا ونقعدها إذا كان هناك استقبال لوزير فلاني في إحدى المناسبات حتى تظهر الدائرة التي يزورها الوزير أو مكان الاجتماع بأبهى صورة، في حين أن واقع الحال نقيض ذلك في الأيام العادية.
مظاهر خادعة هنا وهناك، أما الواقع فعكس ذلك في كثير من الأحيان، إن أردنا أن يكون لنا بصمة في التاريخ فلا بد أن نقف أمام المرأة ونتجرد من كل الأكاذيب والشعارات الرنانة لنعترف بأننا بحاجة إلى الإصلاح وتغيير المفاهيم والعمل من أجل مستقبل أفضل، لا إلى «قرى بوتيمكين» جديدة.
Instagram: hamadaltamimiii