حرب 2024 كانت الأشد تدميراً في تاريخ الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، وهي الأكبر في حسابات الخسائر البشرية، على خلفية عمليات الاغتيال الصاعقة التي نفذها العدو الإسرائيلي، وطالت قيادات سياسية وعسكرية في الصف الأول، وفي مقدمتهم الشهيد السيد حسن نصرلله.
من سوء قدر اللبنانيين أنهم كلما ودّعوا سنة مع مآسيها وأوجاعها، تكون السنة القادمة أقسى وجعاً وأشد هوْلاً من سابقتها، وكأن هذا البلد المنكوب مصابٌ بسرطان من الأزمات والمشاكل المتناسلة، التي حوّلت حياة اللبنانيين إلى جحيم لا يُطاق، وجعلت من وطن الإشعاع والفكر والثقافة، بلداً منبوذاً من الأشقاء والأصدقاء، بقيادة منظومة سياسية فاسدة أسقطت السلطة في متاهات تصنيف الدولة الفاشلة.
ورغم كل التحديات والصعوبات التي تحيط بحياة اللبنانيين اليومية، مازال اللبناني صاحب عزيمة في مواجهة الصدمات، واستيعاب تداعياتها، والتكيّف مع مضاعفاتها، متمسكاً بالإيمان والأمل بقرب الفرج، والخروج من أتون الانهيارات الراهنة.
اللبنانيون يصلّون لتحمل السنة الجديدة بوادر الانفراجات الموعودة، بدءًا من إنتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، تشكل بداية حاسمة لإعادة تكوين السلطة، وطوي صفحة صراعات الديوك بين الأطراف الحزبية، التي عطّلت الحياة السياسية، وتجاوزت أحكام الدستور، وجعلت من دوائر الدولة ومؤسساتها مزرعة للأزلام والمحاسيب.
يراهن اللبنانيون بكثير من التفاؤل على عودة الأشقاء العرب إلى لبنان، وإطلالتها الأولى عبر الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، وذلك بعد طول غياب. يتمنى كثير من اللبنانيين أن تكون نهاية عام الرعب والحرب والتدمير مناسبة لوقفة صادقة مع النفس من قبل الأطراف السياسية والحزبية، لاستخلاص الدروس والعبر من المآسي والنكبات التي حلَّت بالوطن، بسبب تفرُّد حزب بقرار الحرب والسلم، وخوضه حرباً ضروساً مع العدو الإسرائيلي، دون الأخذ بعين الإعتبار الفارق الكبير بميزان القوى الإستراتيجي، وما يتوفر للعدو من دعم مفتوح من الترسانة الأميركية.لقد دفع اللبنانيون الأثمان الغالية في حروبهم مع العدو الإسرائيلي، في سياق نصرتهم للقضية الفلسطينية، وقدموا آلاف الشهداء، وضحّوا بأمنهم واستقرار بلدهم، قبل أن يتبينوا أن القضية أكبر من قدرات لبنان على تحملها منفرداً، ولا يجوز أن تنوء بأعبائها وتبعاتها طائفة معينة، أو حزب محدد، ويُضحّي بالآلاف من شبابه في كل جولة.
لتكن نهاية السنة الكارثية ساعة تأمل لاستخلاص العبر.
ولتكن بداية السنة الجديدة فرصة لتحويل المعاناة إلى رؤية للإنقاذ وللخروج من نفق الأزمات.