+ A
A -
يقولون إن الإهانة مُرّة بينما التَكريم مُشتهى..
لكن للدقة، فليس كل تكريم مُشتهى، وفي بعض الإهانة لذة.
فقد أشار دوستويفسكي للذة الإهانة في «الإخوة كارامازوف»:
«إن في إهانة المرء لنفسهُ لذّة»
وفي «المقامر» عاود الإشارة للذة الإهانة
«الناس فيما يتصل بالأرباح والخسائر، لا في «الروليت» فحسب، بل في كل مجال آخر، إنما يحركهم دافع واحد هو الربح أو انتزاع شيئاً من شخص آخر».
فخسارة الآخر قد تُعد -في حسبانهم- مكسبا، وبالمقابل، فانتزاع التعاطف نتيجة إهانة أو استدراج شخص للوقوع في خطأ التطاول للتربح من زلاته يُعد ربحًا معنويًا، بإظهار المُهان لتسامحه بإزاء من وبخه.
فهناك من يُصر على المكسب أهان أو أُهين، المهم ألا يخرج من الموقف حاصدًا قبض الريح.
وأواه مما يَعتمل في القلوب المخادعة.
-فالتربص لفرصة «خِزي» قد تؤتي أُكلها بعد حين، لدليل خُبث قلب يعلم على أي وتر يجب أن يضرب، ولو ضرب نفسه، تلذذًا بإهانة قد تُثمر تعاطف أو تعبئة شعبية.
-فهناك من يجيدون لعبة «ضربني وبكى وسبقني واشتكى» وهناك من ينساقون مع أحزانهم حد حد التكسب أذ يتقوتون بعشب الانكسار، ويعرف هؤلاء باسم «ملوك الدراما».
فالتمسك بدور الضحية المُهانة غدا مصدرًا للدخل المعنوي والمادي فترى البعض يؤثر الحفاظ على كل مضطرب في حياته، لقناعتهم أنهم إن عجزوا عن الحصول على لقمة الهناء بكرامة، فليكتسبوها بالإهانة، فيعسعسون عن لحظات المناكدة كسوق لبضائع معنوية امتهنوا التربح منها. «وقد كتب» ليرمونتوف: «أن تكون مبعث ألم ولذة لآخر، دون أن يكون لك حق في ذلك، أليس هذا أعذب غذاء تتغذى به كبرياؤك؟ وما هي السعادة ؟ إنها ارتواء الكبرياء.»
بعض الأفراد يتفيقهون بالتربح من عدم وعي الآخر لفكرة الخطأ، أو من سُبات محيطهم الغافل عن جرائمهم، وسيترجمون الحُزن الزائف على أنه فضيلة، فينساق المتربح لفعل الإستهبال، مُستغلًا جهل محيطه لإسترزاقه من تمثيل دور المُهان المتحامل على الأذى بنبل المستعصم بالأخلاق، ليسوغ عمل في ظاهره التضحية، وفي باطنه الضلال.
-فهناك الأخ الذي يُلمح لقطيعة شقيقه له، مدعيًا أن رغم قسوة بن أبيه معه، إلا أنه يُسامحه، دون الإشارة لسبب المقاطعة.
-أو كأم تَئِن من جحود ابنتها للتكسب من موقفها المدعوم مجتمعيا، فيما تحذف مشهد قسوتها على صغيرتها. فهي توقن أن كسر قلب ابنتها لم يحدث دويًا؛ لأن احدُا لا يعلم به، فيما نحيبها على رد فعل صغيرتها سيكون صداه صاخبًا.
فلطلقات طبنجة الإهانة إغواء يثير الأبلة، فأعمى القلب يعجز عن سماع أنين القلوب المهشمة.
-وهنالك الزوج المخلوع الذي يعيش دور الضحية بعد أن مرر حياة شريكته، وهو على استعداد أن يبقشش من كرامته فيبدو ذليلًا مهانًا، بل ومستعد لتقبيل أيدي زوجته علنًا شريطة عدم دفع تعويض مادي معتبر للمقهورة لتلذذ بظهوره كتائب منكسر أمام غرباء يجهلون تاريخ جبروته الأسود. تلك نماذج ضليعة بفن الإسراف في الاستقامة واستضافة الحزن النبيل، كما تتغذى على مشاعر المظلومية، ولديها القدرة على إجراء وثبة عفو تبرهن بها على عظيم تسامحها. -هي شخصيات ماهرة بالسليقة في إرسال الإيعازات اللفظية أو مستعينة «بالنبرة المنكسرة أو لغة الجسد» وهم ثالوث لمستودع السلوكات الذليلة، لكسب تعاطف من يحكم ببصره.
لذا، فحري ألا تكون الإهانة مستندًا نهائيًا في وزن المكاره، طالما يستمتع بها البعض نشدانًا للمصالح.
داليا الحديدي
كاتبة مصرية
copy short url   نسخ
23/01/2021
1553