+ A
A -

لقد نجحت الثورة السورية أو بتعبير أدق نجحت سوريا في إسقاط رأس النظام الذي هرب إلى روسيا. هرب رأس النظام بعد أن قتل الملايين من شعبه وبعد أن خلّف مآسيَ تحتاج عقودا من الزمن قبل أن تندمل، أما النظام فلا يزال في الداخل السوري كامنا يمتص الصدمة الكبرى.

نختلف في هذا التحليل مع قراءات كثيرة ترى أن الدولة العميقة قد تبخرت في سوريا وأن الثورة المضادة لن تكون. صحيح أن الثورة قد حسمت أمرها بالسلاح وأنها دفعت أعلى الأثمان من أجل التحرير وأنها دحرت ثلاثة جيوش دون ذكر المليشيات قبل أن تنتصر لكن هذا لا يعني أن الدولة العميقة قد تبخرت وأن الثورة المضادة لن تكون وأن الثورة قد انتصرت.

الثابت الأكيد أن الدول الإقليمية التي حاربت ثورات الشعوب لن تقف مكتوفة الأيدي كما أن الدول التي خسرت وجودها في سوريا لن تبقى هي الأخرى دون ردّ فعل. هذا إضافة إلى القوى الخاسرة في الداخل السوري مثل عناصر النظام القديم والأقليات المرتبطة بقوى خارجية. كما أن التاريخ علمنا أن لكل ثورة ثورة مضادة مهما تأخرت ومهما تلوّنت لكنها تختلف باختلاف السياق الذي توجد فيه.

صحيح أن القيادة السورية الحالية تسير في الاتجاه الصحيح إذا أخذنا في الاعتبار عددا من المؤشرات، كما أنها حظيت في فترة قصيرة بدعم إقليمي عربي ودولي نادر.. لكنها لا تزال في عين العاصفة. وصحيح أيضا أن عملية التحرير السريعة قد تمت بأقل التكاليف من جهة الخسائر البشرية في كلتا الجبهتين.

لكن كل هذه المؤشرات الإيجابية لا تعني أن السفينة قد وصلت إلى برّ الأمان، بل إن الأخطار الداخلية لا تزال قائمة بسبب تراكمات جرائم الأقليات وارتباطها بأجندات أجنبية. وهو الأمر الذي يفرض على القيادة الجديدة تحديات ضخمة أولها تتعلق بالموازنة بين محاسبة المجرمين من جهة والحفاظ على اللحمة الوطنية من جهة ثانية.

إن الإسراع بمحاسبة الجلادين والمجرمين و«الشبيحة» ستساعد في تضميد جراح أهالي الضحايا وتمنع عمليات الانتقام الفردية وترسخ مبدأ العدل. أما توحيد الفصائل المسلحة وتجميع القوى الوطنية وطمأنة الأقليات فهو أهم المداخل لمنع تسرّب المؤامرات الخارجية وتفادي الشرخ الوطني.

كلما كان التضامن السوري الداخلي صلبا كانت نسبة الاختراق والفشل ضعيفة خاصة في الأطوار الانتقالية التي تتميز بهشاشة المؤسسات وفورة الوعي الجمعي وهو ما ستعمل سوريا الجديدة على تفاديه لإنجاح ثورتها.

copy short url   نسخ
02/01/2025
125