يعقوب العبيدلي
من منا لا يعرف، شاعر ‏العربية الكبير ‏أبو الطيب ‏المتنبي،، شاعرُ الحكمةِ والمدحِ والفخرِ والحب، لطالما سمعْنَا عنِ اقترانِ أسماء الشّعراء باْ سماء حبيباتِهم كـ «جميل بثينة» و«مجنون ليلى» و«عنترة وعبلة» ولكن لم يقترن المتنبي اسمُهُ باسمِ محبوبةٍ أو امرأةٍ على وجْهُ التّحديد، هو أحب وعشق وكتب وقال عن محبوبته المبرقعة لابسة النقاب الكثير ولكن بشيء من التلميح لا التصريح، «هامَ الفؤادُ بأعرابيّةٍ سكنتْ، بيتاً من القلبِ لمْ تمدد لهُ طنبا، كأنّها كالشّمسِ يُعيي كفَّ قابِضِه، شعاعها ويراهُ الطّرف مقتربا، بحرٌ عجائبه لم تُبْقِ في سمرٍ، و? عَجائب بحرٍ بَعدَها عَجَبَا»
يقال أنه أحب خولة وهيَ أخت سيفِ الدولةِ الحمداني الّذي لم تكنْ علاقته بالمتنبي علاقةَ ملكٍ بشاعر إنّما علاقة منْ نوعِ الصّداقة، وبانتْ مشاعرُ الحبِّ الدفين في رثاءِ خولة عندما بلغهُ نبأ وفاتِها: «يا أُختَ خَيرِ أَخٍ يا بِنتَ خَيرِ أَبٍ، كِنايَةً بِهِما عَن أَشرَفِ النَسَبِ، جِلُّ قَدرَكِ أَن تُسمى مُؤَبَّنَةً، وَمَن يَصِفكِ فَقَد سَمّاكِ لِلعَرَبِ، ? يَملِكُ الطَرِبُ المَحزونُ مَنطِقَهُ، وَدَمعَهُ وَهُما في قَبضَةِ الطَرَبِ، غَدَرتَ يا مَوتُ كَم أَفنَيتَ مِن عَدَد، بِمَن أَصَبتَ وَكَم أَسكَتَّ مِن لَجَبِ» وتظهرُ عاطفةُ الشّاعرِ الصّادقةِ العفويّةِ والّتي تنسكبُ فيها الكلماتُ جرّاءَ حزنٍ عميقٍ وصدمةٍ عارمة اجتاحَتْ قلبَهُ لموتُ خولة حبيبته:
«طَوى الجَزيرَةَ حَتّى جاءَني خَبَرٌ، فَزِعتُ فيهِ بِآمالي إِلى الكَذِبِ، حَتّى إِذا لَم يَدَع لي صِدقُهُ أَمَ?ً، شَرِقتُ بِالدَمعِ حَتّى كادَ يَشرَقُ بي».
فالشّاعر ذكرَ في قصيدتِه كيفَ هو حالُ قلبِهِ بعدَ ذاك الفراق وهنا تتجلي المشاعر الجيّاشةِ والحُرقة والشَّجن الكبيرِ فيقول: «يَظُنُّ أَنَّ فُؤادي غَيرَ مُلتَهِب، وَأَنَّ دَمعَ جُفوني غَيرُ مُنسَكِبِ، فَلَيتَ طالِعَةَ الشَمسَينِ غائِبَةٌ، وَلَيتَ غائِبَةَ الشَمسَينِ لَم تَغِبِ»، جميلة تلك القصائد الغزليّة الّتي كانَ قدْ نَظمها المتنبي حين التقَتْ عيناهُ بعينا حبيبته لأوّلِ مرة ففُتنَ بهما ووقعَ في حبّها، وتدل جل أبيات الشاعر المتنبي إلى وجودُ امرأةٍ في حياته يحبها ويعشقها ويميل إليها، كان المتنبي يتطلع إلى العلا في أهدافه وغاياته وعلاقاته وحتى في حبه وعشقه، وهناك أحاديث تشير إلى زواجه بأخرى وإنجابه منها ولكنها تظل تكهنات ووجهات نظر وآراء نقاد مبنيّة على الحدسِ والحس، ولا دليلاً مثبتاً على صحتها، وقد يطول بنا الحديث عن المتنبي وقصائده ولكننا نقطتف من بستانه وزهره ياسميناً ونمضي