مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل - مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةمنذ الزمن القديم، وقر في قلوب المسلمين هذه القيمة العظيمة في معنى الغوث والإطعام والعون والسُقيا، وكل ما يمتد إليه عمل الخير والإحسان في المعمورة، حتى أنك تعجب كيف احتوت الرسالة الإسلامية كل ما يخطر على بال الإنسان، وما يغيب عنه في تفاصيل الإحسان والإطعام، دون أي مشارطة لكون هذه النفس من أمة المسلمين أو خارجها.
ثم تعميم ذلك برفقاء البشر من حيوانات خلق الله، وأن في كل كبدٍ رطبةٍ منهم أجر، وأجرٌ عظيم يفتح الله فيه مدار الثواب، والبركة في الدنيا والآخرة، حين يقوم الناس بشيء تراه يسيراً في عينك، ولكن الله ندب إليه وحرّضت عليه قيم الرسالة، لكي تبقى هذه النفس الإنسانية، متطلعة لبذل الإحسان وللشراكة في وصل وغوث كل نفس وكل حيوان وشجرة، فتطبق المعادلة العمرانية المذهلة في الإسلام بضمير أخلاقي، لا مثيل له.
ولا حدود هنا مطلقاً ولا تصنيف لصفة الباذل المحسن، أكان ممن يُنعت بالصلاح أو كان ممن يَمتهن الخطايا، ولو كان مداوماً على العلاقة غير الشرعية متصفاً بها، كما في حديث (فتاة الدعارة) من بني إسرائيل ومغفرة الله لها.
هذا التعاقب والتنويع في النصوص الإسلامية، حوّل المجتمع المسلم لكي يتفنن في طرق الدعم والرعاية والإحسان، فهذا وقف للخادم الذي يكسر الآنية، ويخشى من عقوبة سيده، وذلك وقف لإطعام القطط، وتلك أوقاف للعجزة والمبرات، فضلاً عن الحلقات وإعمار بيوت الله.
وهكذا ورثنا في الخليج العربي من الأجداد رحمهم الله، وخاصة في وصايا الأوقاف ولي تجربة شخصية معها، حيث ترد عليك المئات من وثائق (صكوك) تحبيس الوقف في إطعام الفقراء والمساكين، وما ورد علي في الأحساء يرد على بقية مناطق الخليج العربي.
وبعد النفط ندبت شخصيات حياتها لأجل رسالة الإحسان، وقدم الملهم الكبير الراحل د. عبد الرحمن السميط، رحمه الله، وأسرته خاصة زوجته أم صهيب، نموذجاً عظيماً في تكريس حياتهم لأجل فقراء إفريقيا.
وتعددت الأنشطة والجمعيات، حتى واجهت حملة كراهية ممنهجة، أطلقها الغرب واستثمر مواقف عربية ضدها، فحوصرت رسالة الغوث الإنساني، غير أن ما يدركه من اقترب من هذه المجالات، هي بعض حالات الفوضى أو إدارة التبرعات دون الشفافية المطلوبة واخضاعها، لأهداف دعوية، تخالف مقصد الرسالة في المساواة والإحسان للجميع، فضلاً عن تسرب بعض التبرعات المؤكد في تلك المراحل، إلى جهات متشددة فكراً، وبعضها قد يصل لمن يحمل السلاح على المسلمين والأبرياء المدنيين.
وهذا يعني بأن هذه الفترة الحرجة رغم ظلمها للعمل الخيري، لكنها قد تكون بوابة مفصلية لإعادة تنظيم هذه المهمة الرسالية العظيمة، وهي بدأت بالفعل، لكن لا بد من مواصلة التجديد ودعم الدولة المضيفة لهذه الجمعيات.
إن فكرة الانفصال عن المنظمات الأممية، رغم معرفتنا بانحيازها السياسي والاجتماعي في بعض مؤسسات الأمم المتحدة ضد الشرق أو عدم تقدير قيمه الأخلاقية على الأقل، لا تعني إغلاق بوابات التعاون مع منظمات الغوث الإنساني، كما هو تعاون هيئة الإغاثة التركية في مد الجسور معهم، فهناك مشاريع مشتركة ممكن أن تنفّذ بين الجمعيات الخيرية الإسلامية، وبين منظمات الأمم المتحدة المتخصصة، دون أن يُحصر هذا الجهد، في هذا الباب وحده.
والأمر الآخر هو إعادة التفكير في ربط الجمعيات باسم (إسلامية)، وهي أيضا فكرة تم تفعيلها عند بعض الجمعيات، وانتبه لهذه النقطة د. السميط مبكراً، أما الجانب الآخر، فهو نوع وروح الخطاب الموجه للمسلمين وغيرهم، في منابر هذه الجمعيات، وفي حديثها الإعلامي الذي نحتاج فيه أن نعكس بالفعل، سعة الشريعة الإسلامية في مقاصدها.
وأن يكون الدعم للشعوب، وليس للاتجاهات الدينية، وهذا لا يعني أبداً وقف حصص تعليم القرآن الكريم، ولا الحصيلة الفقهية المنضبطة، في وجوه الخير التي يرغبها المتبرعون، لكن من خلال سلة اهتمام إنساني متعدد، لا نمط مفروض، للصورة بين المتبرع والوسيط والمتلقي.
فهذه السلة المتعددة، وذلك الخطاب الذي يشاركه لاعب الرياضة والفنان، والأيادي الشبابية المتعددة، صورة رائعة تصل المحتاجين بروح أخلاقية حلوة، ورسالة ترشيد مطمئنة توحد المجتمع الوطني في كل دولة وتربطهم في سبيل الإحسان الرشيد.
باحث عربي مستقل - مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةمنذ الزمن القديم، وقر في قلوب المسلمين هذه القيمة العظيمة في معنى الغوث والإطعام والعون والسُقيا، وكل ما يمتد إليه عمل الخير والإحسان في المعمورة، حتى أنك تعجب كيف احتوت الرسالة الإسلامية كل ما يخطر على بال الإنسان، وما يغيب عنه في تفاصيل الإحسان والإطعام، دون أي مشارطة لكون هذه النفس من أمة المسلمين أو خارجها.
ثم تعميم ذلك برفقاء البشر من حيوانات خلق الله، وأن في كل كبدٍ رطبةٍ منهم أجر، وأجرٌ عظيم يفتح الله فيه مدار الثواب، والبركة في الدنيا والآخرة، حين يقوم الناس بشيء تراه يسيراً في عينك، ولكن الله ندب إليه وحرّضت عليه قيم الرسالة، لكي تبقى هذه النفس الإنسانية، متطلعة لبذل الإحسان وللشراكة في وصل وغوث كل نفس وكل حيوان وشجرة، فتطبق المعادلة العمرانية المذهلة في الإسلام بضمير أخلاقي، لا مثيل له.
ولا حدود هنا مطلقاً ولا تصنيف لصفة الباذل المحسن، أكان ممن يُنعت بالصلاح أو كان ممن يَمتهن الخطايا، ولو كان مداوماً على العلاقة غير الشرعية متصفاً بها، كما في حديث (فتاة الدعارة) من بني إسرائيل ومغفرة الله لها.
هذا التعاقب والتنويع في النصوص الإسلامية، حوّل المجتمع المسلم لكي يتفنن في طرق الدعم والرعاية والإحسان، فهذا وقف للخادم الذي يكسر الآنية، ويخشى من عقوبة سيده، وذلك وقف لإطعام القطط، وتلك أوقاف للعجزة والمبرات، فضلاً عن الحلقات وإعمار بيوت الله.
وهكذا ورثنا في الخليج العربي من الأجداد رحمهم الله، وخاصة في وصايا الأوقاف ولي تجربة شخصية معها، حيث ترد عليك المئات من وثائق (صكوك) تحبيس الوقف في إطعام الفقراء والمساكين، وما ورد علي في الأحساء يرد على بقية مناطق الخليج العربي.
وبعد النفط ندبت شخصيات حياتها لأجل رسالة الإحسان، وقدم الملهم الكبير الراحل د. عبد الرحمن السميط، رحمه الله، وأسرته خاصة زوجته أم صهيب، نموذجاً عظيماً في تكريس حياتهم لأجل فقراء إفريقيا.
وتعددت الأنشطة والجمعيات، حتى واجهت حملة كراهية ممنهجة، أطلقها الغرب واستثمر مواقف عربية ضدها، فحوصرت رسالة الغوث الإنساني، غير أن ما يدركه من اقترب من هذه المجالات، هي بعض حالات الفوضى أو إدارة التبرعات دون الشفافية المطلوبة واخضاعها، لأهداف دعوية، تخالف مقصد الرسالة في المساواة والإحسان للجميع، فضلاً عن تسرب بعض التبرعات المؤكد في تلك المراحل، إلى جهات متشددة فكراً، وبعضها قد يصل لمن يحمل السلاح على المسلمين والأبرياء المدنيين.
وهذا يعني بأن هذه الفترة الحرجة رغم ظلمها للعمل الخيري، لكنها قد تكون بوابة مفصلية لإعادة تنظيم هذه المهمة الرسالية العظيمة، وهي بدأت بالفعل، لكن لا بد من مواصلة التجديد ودعم الدولة المضيفة لهذه الجمعيات.
إن فكرة الانفصال عن المنظمات الأممية، رغم معرفتنا بانحيازها السياسي والاجتماعي في بعض مؤسسات الأمم المتحدة ضد الشرق أو عدم تقدير قيمه الأخلاقية على الأقل، لا تعني إغلاق بوابات التعاون مع منظمات الغوث الإنساني، كما هو تعاون هيئة الإغاثة التركية في مد الجسور معهم، فهناك مشاريع مشتركة ممكن أن تنفّذ بين الجمعيات الخيرية الإسلامية، وبين منظمات الأمم المتحدة المتخصصة، دون أن يُحصر هذا الجهد، في هذا الباب وحده.
والأمر الآخر هو إعادة التفكير في ربط الجمعيات باسم (إسلامية)، وهي أيضا فكرة تم تفعيلها عند بعض الجمعيات، وانتبه لهذه النقطة د. السميط مبكراً، أما الجانب الآخر، فهو نوع وروح الخطاب الموجه للمسلمين وغيرهم، في منابر هذه الجمعيات، وفي حديثها الإعلامي الذي نحتاج فيه أن نعكس بالفعل، سعة الشريعة الإسلامية في مقاصدها.
وأن يكون الدعم للشعوب، وليس للاتجاهات الدينية، وهذا لا يعني أبداً وقف حصص تعليم القرآن الكريم، ولا الحصيلة الفقهية المنضبطة، في وجوه الخير التي يرغبها المتبرعون، لكن من خلال سلة اهتمام إنساني متعدد، لا نمط مفروض، للصورة بين المتبرع والوسيط والمتلقي.
فهذه السلة المتعددة، وذلك الخطاب الذي يشاركه لاعب الرياضة والفنان، والأيادي الشبابية المتعددة، صورة رائعة تصل المحتاجين بروح أخلاقية حلوة، ورسالة ترشيد مطمئنة توحد المجتمع الوطني في كل دولة وتربطهم في سبيل الإحسان الرشيد.