لكل واحد فينا حياة، والحياة عبارة عن لعبة. لكن اللعبة تختلف من شخص لآخر حسب المنظار الذي ينظر به إلى الواقع. بعض الناس يتطلعون إلى الجوانب المشرقة من الوجود، فيرون الجمال المكنون في الكون من حولهم، ويلمسون الخير المخبوء في دواخل الناس، ويحيلون المواقف الصعبة إلى تحديات ممتعة.على النقيض من البشر المتفائلين الإيجابيين، هناك فئة يعيشون لعبة لا حل لها. إذا استيقظ الواحد فيهم تراه مكفهر الوجه، عبوساً متشائماً، يستقبل يومه بنفور وخمول وضجر. إذا نصحته من باب المودة والرغبة في مساعدته فإنه يخترع لأي حل تطرحه أمامه ألف عثرة وعثرة، فيغلق الأبواب في وجه كل الحلول. مثل هؤلاء، يرون العتمة وسط النور، ويركزون على الجوانب السلبية في أي مناسبة أو تجربة مهما كانت إيجابية تدعو للتفاؤل والبهجة. «إيريك بيرن»، الطبيب النفسي والكاتب الكندي يدعو مثل تلك اللعبة التي يعيشها البعض «نعم، ولكن».لتقريب الصورة أكثر، فإن المقصود باللعبة التي أشار إليها الأستاذ «إيريك»، هي أن هناك أشخاصاً لا يمكنك أن تساعدهم مهما بذلت من جهد وطاقة، لأنهم حتى إن وافقوا على حل تطرحه عليهم، فإنهم يتبعون كلمة «نعم» بـ «لكن». «تستطيع أن تمشي كل يوم نصف ساعة لتخفيض وزنك»، «نعم كلامك صحيح، ولكن ليس عندي وقت لممارسة رياضة المشي». «حسناً، يمكنك القيام بصيام متقطع لأن البحوث أثبتت فائدته في خسارة الوزن»، «نعم صحيح، لكن لا أستطيع الصوم فإرادتي ضعيفة». وهكذا يخترع مثل هؤلاء الناس حججاً كلما طرحت عليهم حلاً، ليبرروا من خلالها استمرار معاناتهم.لا بد أنك تعرفت خلال مسيرة حياتك على أناس دائمي الشكوى، لا تنفع معهم نصيحة ولا خبر مفرح، لأنهم يرفضون المساعدة أساساً. ودون شك أنك شعرت بالاستياء وخيبة الأمل حين حاولت مساعدة أحدهم، لكنه لم يستجب لكل محاولاتك الحثيثة لمساعدته، برغم أنك قدمت له كل حل ممكن!في الحقيقة، هناك العديد من النظريات والتفسيرات لهذه الظاهرة النفسية، التي تدفع الشخص إلى رفض أي مساعدة، بينما يستمر على نفس نمط تفكيره وحياته الأليمة المملة الرتيبة. من أشهر هذه الفرضيات هي أن من يصر على عيش حياة كئيبة فاشلة دون أن يبذل أي جهد في سبيل تغييرها، هو إنسان أدمن ممارسة دور الضحية إلى درجة أنه بات يستمتع ضمنياً بتقمصه لهذه الشخصية. وهذا يندرج ضمن ما يسمى في علم النفس بـ «لذة الألم»، حيث يستمتع الفرد ويشعر بالنشوة والراحة المؤقتة كلما تألم أكثر، لذلك يندفع إلى إبقاء معاناته اليومية بشكل لا شعوري، حتى لا يفقد هذا الإحساس الذي يشعره بتلك السكينة الغريبة. الأمر أشبه بمدمني التدخين أو المخدرات أو السكريات. فرغم علم المدمن بمدى خطورة المادة التي يتعاطاها باستمرار، إلا أنه يشعر بلذة عارمة وتوق غير اعتيادي لتعاطيها كل مرة، حتى لو كان يعاني بسببها من تداعيات نفسية وجسدية ومادية!أما منشأ هذا السلوك عند من يرفضون المساعدة وتغيير الواقع، هو أنهم في مرحلة الطفولة كانوا يعانون من حاجة كبيرة إلى الاهتمام حيث لم يجدوا ضالتهم من طرف المحيطين بهم، فبدأوا في تقمص شخصية الضحية وإعادة نفس السيناريو بشكل مستمر دون أن يدركوا عمق مشكلتهم ومصدرها الأساسي.إن الخطأ الأكبر الذي يمكن أن تقع فيه عند التعامل مع هذه الشخصيات هو أن تبتلع الطعم، فتصبح طرفاً من اللعبة التي ستستنزف طاقتك كلياً. وهذه ليست دعوة لعدم التعاطف معهم أو التخلي عنهم وعدم مساعدتهم، بل دعوة إلى فهم مثل هذه النوعية من الناس، وتقديم نوع خاص من المساعدة لهم تتمثل في عرضهم على متخصص محترف بوسعه مساعدتهم بشكل فعلي.لذلك إذا صادفت أحد الأشخاص دائمي الشكوى، فإياك أن تنجرف وتلتقط طرف الخيط، فتغدو بذلك طرفاً في اللعبة التي ليس لها حل. مع إمكانية تعاطفك مع الشخص الآخر، وتعبيرك عن مدى اهتمامك به وبمشكلاته، ثم توجيه سؤال تلقي من خلاله المسؤولية عليه: «ماذا ستفعل إزاء هذا الأمر؟». أما النصيحة الوحيدة التي يمكن أن تقدمها لإنسان يرفض المساعدة، فهي أن تنصحه بالتوجه إلى متخصص موثوق للمساعدة المتخصصة، ثم تصمت وتنهي الكلام في نفس اللحظة. لأنك إن استمريت في مجاراته، فلا تستغرب أن يخبرك: «ذهبت بالفعل إلى أخصائي، لكن لم ينجح الأمر!».
لعبة ليس لها حل
- 22/08/2022
- /
- آراء و قضايا
رأي
+ A
A -