أكد الدكتور مايكل تريك، عميد جامعة كارنيجي ميلون في قطر أن الذكاء الاصطناعي رغم ظهوره إلى الوجود منذ أكثر من نصف قرن، إلا أنه لم يبسط سيطرته وحضوره البارز إلا خلال السنوات القليلة الماضية.
وكما هو الحال مع أي اختراع من شأنه إحداث تغيير عميق في طرق عملنا وأساليب حياتنا، بدأت فئة واسعة من الناس تشعر بالقلق حيال الآثار المترتبة على عالم يقوده الذكاء الاصطناعي.
ويبقى السؤال الذي يعكس بحقٍّ هذه المخاوف هو: كيف سيتعامل الجيل القادم مع التحديات والفرص التي يطرحها هذا المجال؟
وتابع: خلال تصريحات خاصة لـ الوطن : لقد امتد مساري الأكاديمي في جامعة كارنيجي ميلون على مدار 35 عاماً؛ إذ بدأت تجربتي في المقر الرئيسي للجامعة في بيتسبرغ، ثم توليت لاحقاً منصب عميد الحرم الجامعي في قطر منذ عام 2017.
في أبحاثي الخاصة، استخدمت وطوّرتُ تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات التخطيط والجدولة، وطبّقت هذه التقنيات في تنظيم مواعيد الدوريات الرياضية وتصميم شبكات التواصل. فإننا في جامعة كارنيجي ميلون نأخذ على عاتقنا مهمة إعداد طلابنا للتعامل مع الأسئلة الكبرى، خاصة تلك المتعلقة بالآثار المترتبة على الذكاء الاصطناعي، ونعتبر ذلك من أولوياتنا.
وأضاف عميد الجامعة: تم اختراع الذكاء الاصطناعي في جامعة كارنيجي ميلون منذ أكثر من 50 عاماً، وما تزال الجامعة تتصدر مشهد أبحاث الذكاء الاصطناعي في العالم. ولطالما ركز فرعنا في قطر على تطبيقات وتقنيات الذكاء الاصطناعي، سواء في برامجنا الأكاديمية أو في أبحاث أعضاء هيئة التدريس والطلاب. وعلى ضوء تقدم هذه التكنولوجيا في مجالات جديدة، فإننا نعمل على توسيع نطاق استخدامنا لأدوات الذكاء الاصطناعي، وتدريسها، وتطويرها في قاعات المحاضرات ومختبراتنا البحثية، بالإضافة إلى تطبيقها في العديد من المجالات المختلفة.
وأشار إلى أن أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من برامجنا الأكاديمية. ففي برامج علوم الحاسوب وأنظمة المعلومات، يتعلم الطلاب كيفية عمل الذكاء الاصطناعي وطرق تحسينه وتطويره. تشمل مجالات الدراسة والأبحاث المرتبطة بالذكاء الاصطناعي معالجة اللغة الطبيعية، والتعلم الآلي، والروبوتات، والشبكات والأنظمة، والأمن السيبراني، وغيرها من المجالات. ببساطة، أضحى الذكاء الاصطناعي يطال تقريباً كل جانب من جوانب علوم الحاسوب وأنظمة المعلومات.
وأضاف: كما يتعلم طلابنا في العلوم البيولوجية أساسيات الذكاء الاصطناعي، حيث يمكنهم اختيار المشاركة في دورات أو إجراء بحوث في علم الأحياء الحاسوبي، وهو مجال يتمتع فيه الذكاء الاصطناعي بالقدرة على إعادة تعريف طريقة تشخيص الأمراض وعلاجها. وبفضل الذكاء الاصطناعي، أصبح الطب الدقيق ممكناً.
وقال الدكتور مايكل تريك: على صعيد إدارة الأعمال، ينكبّ الطلاب على كيفية تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات واتخاذ القرارات.
وبات الذكاء الاصطناعي يمارس تأثيراً كبيراً على العديد من مجالات إدارة الأعمال، ما يجعل فهم كيفية تطبيق هذه الأدوات أمراً بالغ الأهمية للخريجين الجدد. وفي وقت سابق من هذا العام، أطلقت جامعة كارنيجي ميلون في قطر برنامجاً دراسياً في «الذكاء الاصطناعي والتمويل»، موجهاً للطلاب المهتمين بتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات المرتبطة بتمويل الشركات والاستثمار.
تعزيز أبحاث الذكاء الاصطناعي
ونوه إلى أن الذكاء الاصطناعي أضحى عنصراً رئيسياً في الأنشطة البحثية التي تشمل العديد من المجالات في جامعة كارنيجي ميلون في قطر. وتتقاطع بعض المشاريع الحالية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي مع موضوعات الاستدامة، مثل تحسين أساليب تنظيف الألواح الشمسية وصيانتها، والعناية بالنباتات الدفيئة. وعلى مر السنين، تعمّق العديد من أعضاء هيئة التدريس أيضاً في استخدام الذكاء الاصطناعي في معالجة اللغات الطبيعية، لا سيما اللغات العربية والتركية والإنجليزية.
كما يستكشف أعضاء هيئة التدريس كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في تحسين أساليب التعليم والتعلم. وترتكز الفكرة الأساسية لهذه الأبحاث إلى قدرة الذكاء الاصطناعي على تعزيز التعلم، خاصة بالنسبة للمبتدئين في المواد الدراسية. في العديد من قاعات المحاضرات، أعاد أعضاء هيئة التدريس تصميم الواجبات ووحدات التعلم، بما يسهم في تعليم الطلاب كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بفعالية وكفاءة.
أبعاد الاعتبارات الأخلاقية
وأكد أنه في ظل تنامي تأثير الذكاء الاصطناعي، تتزايد المخاوف بشأن أوجه القصور والمخاطر التي يمكن أن تكتنف تقنيات هذه التكنولوجيا، حيث يواجه الطلاب تحدياً حقيقياً في تحليل أدوات الذكاء الاصطناعي بعين ناقدة، لا سيما عند مقاربة السبل التي تجعل مخرجات هذه التقنية أكثر شفافيةً وعدالةً وإنصافاً. بجانب مقرراتهم الدراسية المتخصصة، يتاح لطلاب جامعة كارنيجي ميلون في قطر متابعة مقررات اختيارية تغطي مجموعة من التخصصات الفرعية في الفنون والعلوم. هذا النهج التعليمي ينمي الوعي بالسياق الأوسع للذكاء الاصطناعي، ويعمل على وضع آليات لتوجيه هذه التكنولوجيا نحو إحداث تأثير إيجابي في المجتمع.
استشراف المستقبل
وتابع: بينما تدخل جامعة كارنيجي ميلون في قطر عقدها الثالث في مؤسسة قطر، نجد أنفسنا في غمرة نهضة كبيرة يقودها الذكاء الاصطناعي. العديد من خريجينا يعملون بالفعل على صياغة طرق استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات شتى، مثل الرعاية الصحية، والأعمال، والنقل، واللغات، وتيسير الوصول. أما بالنسبة لطلابنا الحاليين، فإن العديد من الوظائف التي سيشغلونها في المستقبل لم توجد بعد.
يتطور الذكاء الاصطناعي بوتيرة سريعة، وطموحنا أن يكون طلابنا هم المحرك لهذا التغيير في المستقبل. ولإعدادهم لهذا الدور، نشجعهم على الإبداع والابتكار. فهم يعملون، عبر مجالات متعددة، على دراسة وحل قضايا ومشكلات مستوحاة من الواقع المعاش، بهدف دراستها وحلها، مما يعزز تفكيرهم النقدي. كما نشجعهم على استكشاف مجالات أخرى، لأن الفهم العميق للعالم هو المفتاح الرئيسي للتقدم. نحن نختبر أيضاً طرق تفكيرهم بشأن المشاكل والحلول التي قد تؤثر في المجتمع.
واختتم حديثه قائلا: إن ذكرى مرور 20 عاماً على تأسيس فرع الجامعة في المدينة التعليمية يشكل فرصة سانحة لاستحضار ما كانت عليه الجامعة إبّان افتتاحها؛ كما أنها فرصة لاستشراف المستقبل والتأمل في كيفية الارتقاء، وإحداث تأثير أعمق.
فجامعة كارنيجي ميلون في قطر هي جامعة رائدة عالمياً في علوم الحاسوب، وسنواصل، على مستوى فرعنا الجامعي في قطر، خوض تحدي مجتمعنا لشق مسارات جديدة في أبحاث الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته. سيواصل خريجو جامعة كارنيجي ميلون في قطر– في الماضي والحاضر والمستقبل– قيادة التغيير في عالم بات يعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا القائمة على الذكاء الاصطناعي.