مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةكان من الطبيعي أن تثير زيارة الفريق حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة السودانية للدوحة، بعض الجدل، خاصة في ظل ما ارتبطت به خطابات الاستقطاب التي عاشتها الثورة السودانية مع أزمة الخليج العربي، وهي الأزمة التي نأمل أن تواصل رحلة فك الاشتباك، ثم تتحول إلى مصالحة تراعي الحقوق الشعبية لكل دول المجلس.
وأول ما نطرحه هنا في هذا السياق هو واقع السودان ذاته، ثم عرضُ ما تملكه قطر للمساهمة الإيجابية في عبور السودان الجديد، فواقع السودان بعد الثورة التي أسقطت نظام حكم الرئيس البشير، يعبر مرحلة خطرة للغاية أهمها، هو أهمية أن يُثبّت الاستقرار الاجتماعي الاقتصادي في حده الأدنى، وأن تتحول الاتفاقات مع الحركات المسلحة في الشرق والغرب، إلى العمل الوطني المشترك، ويتعزز التقاسم الفدرالي السلمي.
فالواقع الهش للسودان الجديد لو تعمقت مشاكله وصراعاته، يُخشى أن يتحول إلى بؤر حرب شرسة، تنهش ما تبقى من الصمود المدني، وهنا فإن انسجام المجتمع السياسي المدني مهم للغاية، للحفاظ على هذا الاستقرار، وبقاء علاقة توازن مع العسكر، تساعد في تحييد تدخلهم، وصناعة الدولة المدنية الجديدة.
ولعل زيارة حميدتي للدوحة تزامنت أيضاً، مع انكشاف وطني لأزمة مشروع مواجهة الإسلاميين، وتصفيتهم سياسياً أو وظيفياً، وهي توجهات للراديكالية الماركسية، تقاطعت مع تدخلات عربية، مناهضة للربيع العربي، وليس المقصود، رفض محاكمة وإقصاء ومحاسبة أطقم الفساد في نظام الرئيس البشير، وإنما في خطورة الانتقام السياسي الذي استثمرته، تيارات فكرية ضمن دائرة الصراع القومي في السودان.
وهناك بالطبع مسؤولية على الإسلاميين في السودان، داخل الجسم الحركي وخارجه، لاستثمار التحول المدني وصناعة فكرهم الجديد، شراكة لا وصاية، ومواطنة مدنية لا مشارطة دينية، فمساحة الاتفاق مع الدولة المدنية الحديثة ببعدها الحقوقي كبيرة جدا.
وتنظيم حوار الاختلاف مع ما يعتقده الإسلاميون وغيرهم من شخصيات دينية للتوجهات المناهضة للرسالة الإسلامية، أو عملية تجريف ممنهجة للأخلاقيات والقيم، التي يتمسك بها البعد الروحي الإسلامي العميق في السودان، تتم عبر الحوارات النقدية والتدافع السياسي المدني.
هنا لا بد من الخروج من الاستقطاب الحاد، الذي لا حاجة له، وأعتقد أنّ مستوى وعي الشباب السوداني وتجربته النضالية، قد استوعبت اليوم هذه الفكرة، وتعزيز الشراكة لا الإقصائية، المرفوضة من الشيوعيين والإسلاميين، وهناك رابط مشترك بين الفكرة الدعوية التي انطلقت في الوطن العربي، عند تحول التيارات إلى البنية الحركية.
ولعل هذا التشابه، يعزز الصراع بين الدعوة الشيوعية في بعثها الأول، وبين الدعوة الحركية الحزبية القديمة للإخوان المسلمين، ساهم فيه الصراع الصعب في التاريخ السوداني الحديث، رغم أن كلتا الدعوتين في وادي النيل الشمالي أي مصر، تعرضت لقمع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والقوميين العرب في بعض الحالات.
ولعل هذا الاشتباك يُشير إلى طبيعة العلاقة المعقدة بين الشيوعيين والإسلاميين الحركيين، والتي يستطيع الوعي السوداني المدني أن يفرزها عن مسيرة صناعة العهد الثقافي الحديث للأسرة الوطنية لكل أهل السودان.
فإذا كانت زيارة الفريق حميدتي للدوحة، تحت مفهوم دعم مصالحة وطنية فهي في الاتجاه الصحيح لأجل السودان، وبالطبع هنا يقفز بقلق شديد الخشية من الحسابات الخاصة، سواء للفريق حميدتي أو الجسم العسكري الأقوى في المجلس، وهو استثمار هذا الاستقطاب أو الصراع للتحييد التدريجي، للحكم المدني، ولدى الإسلاميين تجربة صعبة في فشل الاستفراد الشمولي، عرضنا لها بالتفصيل في شهادة الشيخ حسن الترابي وقناعته الشخصية.
أما الدور القطري كداعم منتظر، فهو في توقيت جيد لكون الدوحة قد درست المرحلة السابقة من سياستها الخارجية، والأهم فيها هو الاعتماد على دعم الدول الناهضة والشعوب العربية، وليس الارتباط بالأيدولوجيات.
لكن ذلك كله لا يلغي فائدة استثمار علاقة الدوحة بالسودان خاصة لدعم الوحدة الوطنية، وصناعة جسور مختلفة مع السودان الجديد، وإن كانت قطر اليوم تراقب أهمية وضع مساحة كافية من ملفات الصراع العربي القُطري الداخلية، ولكن طبيعة تجربة السودان اليوم، تستحق ويناسبها، بمد يد العون والخبرة الاستثمارية لكل أهل السودان، لعلنا كعرب نفوز بشراكة نوعية تفيد قطر، وتحيي سلة غذاء السودان العربية.
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةكان من الطبيعي أن تثير زيارة الفريق حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة السودانية للدوحة، بعض الجدل، خاصة في ظل ما ارتبطت به خطابات الاستقطاب التي عاشتها الثورة السودانية مع أزمة الخليج العربي، وهي الأزمة التي نأمل أن تواصل رحلة فك الاشتباك، ثم تتحول إلى مصالحة تراعي الحقوق الشعبية لكل دول المجلس.
وأول ما نطرحه هنا في هذا السياق هو واقع السودان ذاته، ثم عرضُ ما تملكه قطر للمساهمة الإيجابية في عبور السودان الجديد، فواقع السودان بعد الثورة التي أسقطت نظام حكم الرئيس البشير، يعبر مرحلة خطرة للغاية أهمها، هو أهمية أن يُثبّت الاستقرار الاجتماعي الاقتصادي في حده الأدنى، وأن تتحول الاتفاقات مع الحركات المسلحة في الشرق والغرب، إلى العمل الوطني المشترك، ويتعزز التقاسم الفدرالي السلمي.
فالواقع الهش للسودان الجديد لو تعمقت مشاكله وصراعاته، يُخشى أن يتحول إلى بؤر حرب شرسة، تنهش ما تبقى من الصمود المدني، وهنا فإن انسجام المجتمع السياسي المدني مهم للغاية، للحفاظ على هذا الاستقرار، وبقاء علاقة توازن مع العسكر، تساعد في تحييد تدخلهم، وصناعة الدولة المدنية الجديدة.
ولعل زيارة حميدتي للدوحة تزامنت أيضاً، مع انكشاف وطني لأزمة مشروع مواجهة الإسلاميين، وتصفيتهم سياسياً أو وظيفياً، وهي توجهات للراديكالية الماركسية، تقاطعت مع تدخلات عربية، مناهضة للربيع العربي، وليس المقصود، رفض محاكمة وإقصاء ومحاسبة أطقم الفساد في نظام الرئيس البشير، وإنما في خطورة الانتقام السياسي الذي استثمرته، تيارات فكرية ضمن دائرة الصراع القومي في السودان.
وهناك بالطبع مسؤولية على الإسلاميين في السودان، داخل الجسم الحركي وخارجه، لاستثمار التحول المدني وصناعة فكرهم الجديد، شراكة لا وصاية، ومواطنة مدنية لا مشارطة دينية، فمساحة الاتفاق مع الدولة المدنية الحديثة ببعدها الحقوقي كبيرة جدا.
وتنظيم حوار الاختلاف مع ما يعتقده الإسلاميون وغيرهم من شخصيات دينية للتوجهات المناهضة للرسالة الإسلامية، أو عملية تجريف ممنهجة للأخلاقيات والقيم، التي يتمسك بها البعد الروحي الإسلامي العميق في السودان، تتم عبر الحوارات النقدية والتدافع السياسي المدني.
هنا لا بد من الخروج من الاستقطاب الحاد، الذي لا حاجة له، وأعتقد أنّ مستوى وعي الشباب السوداني وتجربته النضالية، قد استوعبت اليوم هذه الفكرة، وتعزيز الشراكة لا الإقصائية، المرفوضة من الشيوعيين والإسلاميين، وهناك رابط مشترك بين الفكرة الدعوية التي انطلقت في الوطن العربي، عند تحول التيارات إلى البنية الحركية.
ولعل هذا التشابه، يعزز الصراع بين الدعوة الشيوعية في بعثها الأول، وبين الدعوة الحركية الحزبية القديمة للإخوان المسلمين، ساهم فيه الصراع الصعب في التاريخ السوداني الحديث، رغم أن كلتا الدعوتين في وادي النيل الشمالي أي مصر، تعرضت لقمع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والقوميين العرب في بعض الحالات.
ولعل هذا الاشتباك يُشير إلى طبيعة العلاقة المعقدة بين الشيوعيين والإسلاميين الحركيين، والتي يستطيع الوعي السوداني المدني أن يفرزها عن مسيرة صناعة العهد الثقافي الحديث للأسرة الوطنية لكل أهل السودان.
فإذا كانت زيارة الفريق حميدتي للدوحة، تحت مفهوم دعم مصالحة وطنية فهي في الاتجاه الصحيح لأجل السودان، وبالطبع هنا يقفز بقلق شديد الخشية من الحسابات الخاصة، سواء للفريق حميدتي أو الجسم العسكري الأقوى في المجلس، وهو استثمار هذا الاستقطاب أو الصراع للتحييد التدريجي، للحكم المدني، ولدى الإسلاميين تجربة صعبة في فشل الاستفراد الشمولي، عرضنا لها بالتفصيل في شهادة الشيخ حسن الترابي وقناعته الشخصية.
أما الدور القطري كداعم منتظر، فهو في توقيت جيد لكون الدوحة قد درست المرحلة السابقة من سياستها الخارجية، والأهم فيها هو الاعتماد على دعم الدول الناهضة والشعوب العربية، وليس الارتباط بالأيدولوجيات.
لكن ذلك كله لا يلغي فائدة استثمار علاقة الدوحة بالسودان خاصة لدعم الوحدة الوطنية، وصناعة جسور مختلفة مع السودان الجديد، وإن كانت قطر اليوم تراقب أهمية وضع مساحة كافية من ملفات الصراع العربي القُطري الداخلية، ولكن طبيعة تجربة السودان اليوم، تستحق ويناسبها، بمد يد العون والخبرة الاستثمارية لكل أهل السودان، لعلنا كعرب نفوز بشراكة نوعية تفيد قطر، وتحيي سلة غذاء السودان العربية.