+ A
A -
طلال أبوغزالة مفكر عربي

في السنوات الأخيرة، ادّعت شركات التكنولوجيا الكبرى مثل جوجل ومايكروسوفت وميتا وأبل قيامها بجهود كبيرة لتقليل انبعاثات غازات الدفيئة. ومع ذلك، وكما يكشف فحص أكثر دقة أنه لا يتم الإبلاغ عن انبعاثات مراكز البيانات الخاصة بهذه الشركات بشكل كاف. وأرجح أن يكون هذا هو الحال نظراً للانفجار العالمي للخدمات القائمة على السحابة، والتي تستضيفها مراكز البيانات في جميع أنحاء العالم. ويزداد هذا الطلب مع استهلاكنا للمزيد من خدمات الإنترنت، حيث يذكر بعض المحللين أن الانبعاثات الحقيقية من مراكز البيانات هذه قد تكون أعلى بنسبة 662 % من الأرقام الرسمية.

وقد أدى ظهور الذكاء الاصطناعي إلى تفاقم هذه المشكلة. فتطبيقات الذكاء الاصطناعي، مثل ChatGPT، تتطلب طاقة أكبر بكثير من التطبيقات التقليدية المستندة إلى السحابة. على سبيل المثال، تتطلب معالجة استفسار واحد من ChatGPT ما يقرب من عشرة أضعاف الكهرباء المطلوبة لبحث جوجل. ومن المتوقع أن يستمر هذا الارتفاع في الطلب على الطاقة، حيث من المتوقع أن تنمو احتياجات الطاقة لمراكز البيانات بنسبة 160% بحلول عام 2030.

أحد العوامل الرئيسية التي تساهم في نقص الإبلاغ عن الانبعاثات هو استخدام شهادات الطاقة المتجددة (RECs). والتي تسمح للشركات بالادّعاء باستخدام الطاقة المتجددة، حتى لو كانت الطاقة الفعلية المستهلكة تأتي من مصادر غير متجددة. وتُعرف هذه الممارسة، باسم «المحاسبة الإبداعية»، وتؤدي إلى أرقام انبعاثات رسمية ولا تعكس بدقة التأثير البيئي الحقيقي لمراكز البيانات.

هذا التباين بين تقارير الانبعاثات القائمة على السوق وتلك القائمة على الموقع تسلط الضوء على المشكلة بشكل أكبر. فالأرقام القائمة على السوق، التي تشمل شهادات الطاقة المتجددة، تُظهر غالبًا انبعاثات أقل بكثير من الأرقام القائمة على الموقع، التي تأخذ في الاعتبار الطاقة الفعلية المستهلكة. على سبيل المثال، تم الإبلاغ عن انبعاثات «النطاق 2» الرسمية لشركة ميتا لعام 2022 عند 273 طنًا متريًا مـــن مكــافئ ثاني أكسيد الكربون، لكن الرقم القائم على الموقــع كــان أكـثـر من 3.8 مليون طن متري.

ومع استمرار نمو الطلب على مراكز البيانات، فمن الضروري أن تتبنى شركات التكنولوجيا طرقًا أكثر شفافية ودقة للإبلاغ عن انبعاثاتها. ويشمل ذلك التخلص التدريجي من استخدام RECs وتبني تدابير محاسبة بيئية مناسبة، والتي دعوت لتبنيها منذ ما يقرب من ثلاثة عقود. عندها فقط يمكننا أن نفهم حقًا التأثير البيئي الحقيقي لصناعة التكنولوجيا والتخفيف منه.

أعلنت إدارة بايدن-هاريس عن إجراءات جديدة في عام 2024 للكشف عن الملوثات المناخية الكبرى وتقليلها. جاء ذلك كجزء من جهودها المستمرة لمواجهة تغير المناخ. هذه التحديثات تعكس الجهود المستمرة والتقدم في تقليل انبعاثات غازات الدفيئة عالميًا، ومع ذلك، يجب أن نسعى لتطبيق المساءلة البيئية لفهم تأثير صناعة التكنولوجيا بالكامل. ويتطلب ذلك ممارسات محاسبية قوية تمكّن الشركات والحكومات من الإبلاغ بدقة وفهم التكاليف والالتزامات البيئية.

في عام 1999، أشرفت على إعداد تقرير شامل بعنوان «المحاسبة والإبلاغ المالي عن التكاليف والالتزامات البيئية» مع خبراء دوليين. كانت هذه المبادرة بإشراف جمعية المحاسبين القانونيين العرب (ASCA)، التي أسستها في عام 1984، وتم إنجازها بالتعاون مع الأمم المتحدة والمعايير الدولية للمحاسبة والإبلاغ (ISAR)، التي ترأستها.

وبصفتي رئيسًا لاتحاد التحضر المستدام، فإنني أطالب أصحاب السلطات بإعادة النظر في هذا العمل المهم للمساعدة في تقليل «محاسبة الكربون الإبداعية»، ووضع الممارسات التي من شأنها مساءلة هذه الشركات بشكل صحيح. يجب علينا جميعًا تحمل المسؤولية، حيث ينادي العالم مطالباً بالتغيير الحقيقي لمساعدته على التعافي من جميع الأضرار التي يسببها تلوث الكربون.

copy short url   نسخ
06/01/2025
5