يكتب أحدهم «نمنا واقفين بالأمس، حيث مياه الأمطار تسللت إلى داخل الخيام، وغرقنا في وحل الأرض وطين المخيم، وتجمدت أطرافنا من الصقيع». ثم كتب آخر، «أكلت الحرب قلوبنا وأرواحنا»، فيما لسان البقية يقول: لم نعد قادرين على احتمال أهوال الإبادة، فحجم الكارثة أكبر مما صورته عين الكاميرا، وأصعب من أن يرويه الكلام، ومع كل يوم تزداد المعاناة ويتسع حجم الألم، ويتمدد فصل العذاب والقهر، بين الجوع والحصار، وبين البرد والمطر، وبين القتل والقصف المتواصل، وحيلتنا على الصبر تهاوت فنحن بشر من لحم ودم، ولسنا خارقين للعادة كما يصورنا البعض.
ما يكتبه الناجون في غزة من سطور تصف المعاناة، وترسم دقات الألم والوجع الذي يعيشونه، يظهر كم صار الواقع بائسًا، وقد تحولت غزة إلى حطام، وكيف أن لوقع كلماتهم فينا أثر لا يمحى ولا يزول، فكتبت نازحة في المخيم تقول، عندما سألتني الصحفية ماذا أخذت الحرب منك؟ أجبت أخذت صحتي. ويقول آخر لا أريد الموت بردًا. فيما تكتب أخرى، الجائع لا ينام والخائف لا ينام والبردان لا ينام، فكيف من اجتمع عليه كل هذا!
الأصوات التي تخرج من غزة لم يسمعها العالم، بل ويتجاهلها عن عمد وقصد، وهو يختبئ خلف دهاليز الصمت والسكون، ولا يتحرك لوقف المقتلة المستمرة بكل وحشية، وفي اختبار صوت العدالة رسب الضمير العالمي، ورسبت كل المواثيق والقوانين والهيئات، التي عجزت عن وقف الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.
حكايات من لحم ودم، وأصوات معذبة في ذروة المعاناة وقسوة الواقع، ونداءات استغاثة تنتظر من يرفع عنها هذا الظلم، فهل من مجيب؟القدس الفلسطينية