+ A
A -
(إلى زخّاتٍ تَرْأَبُ مرآةَ صحوي..)
اختلاج
يُخَيَّلُ إِلَيَّ
- أَوْ يَكَادُ يَحْدُثُ -
أَنَّ الْقَمَرَ يَسْقُطُ
مِنْ سَريرِ السَّماءِ،
وَأَنَّ عَيْنَ اللَّيْلِ
تَدْمَعُ شَكْوى.
ليلةَ استوى القمر
هَيَّأْتُ لكَ كأْسَ الدُّنُوّ
وَلِي هَيَّأْتَ مَوْكِبَ رُفَاتِي..
كُلَّمَا رَمانِي غَيْمُكَ بِدَمْعٍ
أَشْتَهي التَّماهي فِي جَذْوَةِ لُقَاكَ
وَأَنْتَ الْقَصِيُّ عَنْ مُدُنِ تَوْقِي
مَا اسْتَنْفَدَ اللَّيْلُ حِكْمَتَهُ..
أَيَا أَبْجَدِيَّات الْحُزْنِ في بِلادِ الْوَجَع
كُوني لي عَيْناً
تُبْصِرُ الْيَقِينَ إِلى ما لا حِكاية..
عَلَّقْتُ سَمائي عَلى بَحْرِ الدُّموع
وَراهَنْتُ الْقَمَرَ عَلى قَوارِب التَّوْق
الْمُمْتَدَّةِ عَلى شَاطِئِ هَواجِسي
وَآثَرْتُ الْمُضِيَّ
وَلَهاً
إِلى جَزِيرَةِ الْأَحْلامِ الْمُهَرَّبَةِ
فِي مَساءِ الْمَنْفَى..
كَنَخْلٍ يَتِيمٍ أَنْتَصِبُ عَلى شُرُفَاتِ الْخَوْفِ
مُدْلِيةً بِدَلْوِ جِراحٍ
تَبِيعُ نَفْسَها
لِنُقَطٍ فَارَقَها الْحَرْفُ
وَأَوْتارٍ تَجْثُو عَلى مرِّ انْكِسارِها..
إِيـ................ـه يا كَوْكَب الْغَدِ الْهَارِب،
بِأَيِّ نَشيدٍ أَزفُّ إِلَيْكَ نَيَازِكي
وَأَنْتَ الْمُسَافِر بَعِيداً
بعيدا أَبْعَد مِن قَضاءٍ جاثِم
تَنْفِرُ مِنْهُ شَمْعَةُ الرُّوحِ الْمُصادَرَة
في زَمَنِ التُّرابِ الذَّاهِب..
تَدَلَّهْ ما اسْتَطالَ التَّوْقُ مِنْكَ إِلَيْكَ،
وَقايِضْ حِبْرَ ذِكْرَايَ
بِسَكْرَةِ الْقَلْبِ الْوَجِل.
بِعُتُوٍّ راغباً فيَ
في حِبْرِ اللَّيْلِ تُمَرِّغُ وَجْهِي يَا قَمَر،
وَتَكْتُبُ بي مَلْحَمَةَ الْوَلَه..
لَوْ تَتُوبُ مِنَ السَّهَرِ
مُعَلَّقاً عَلى حَبْلِ انْتِظارِي
يا قَمَر،
وَأَتُوبُ مِنَ التَّضَرُّعِ إِلى ضَوْءٍ
ضَوْءٍ يَشْتَهيني فيكَ
قَدْر ما تَشْتهيه فيَ
وأنتَ هُو..
أُعانِقُ انْتِظاراتي الْمُثْقَلَةَ
بِسُخْرِيةِ الْقَدَر،
وَتُعانِقُ صَبَواتي
الْمُهَيَّأَةَ لِلصَّحْو
كُلَّما طَيْفُ لَيْلِك
يَمُرُّ بي
مُخْتَلِساً نَظْرَةَ التَّوْق
إِلى أَرْخَبيل جُنوني
عَلى مرِّ ارْتِدادِ جُفوني
كُلَّما
اهْتَزَّتْ سَماءُ الرَّغْبَةِ في الدُّنُوّ
مِنْ جُزُرِ الْقَمَر
يَا قَمَر..
أُناشِدُ عَقارِبَ السَّاعَةِ
أَنْ تَنُوءَ بِظِلِّ الزَّمَنِ
عَنْ دائِرَةِ أَحْلامي
الْمُبْحِرَةِ في التِّيهِ
وَأُراقِصُ النُّجومَ تِباعاً
ما زادَتْني كَأْسُ اللَّيْلِ ثَمالَةً
وَسَفَراً في الْغِياب..
لِطَلْعَتِكَ شَوْقُ الْمَطَرِ
إِلى مُدُني النَّائيةِ عَنْ مَرْكَزِ الْقَلْب،
وَلِوَهْجِ دُموعي
الْآهِلَةِ بِالنَّوى
فِتْنَةُ الخُضوع.
ليلك يا ليلك!
كَلُؤْلُؤَةٍ في شَفيرِ الغِياب
أَتَجَرَّدُ مِنْ يَقيني،
أَتَنَصَّلُ مِنْ هَواجِسي،
وَأُسِرُّ لِلَّيْل
بِوَجْدٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَآقي..
كَمْ تُوغِلُ بِقُرْبِكَ
يا شاطِئ الأحْزانِ الْمُجَرَّدَةِ مِنْ دِثارِها
في عِزّ مَواسِم الْيُتْم،
وَكَمْ تَسْتَعيضُ مِنْ نَأْيِك
يا أَرْخَبيل جُفوني الشَّارِدَة
عَلى مرّ التَّجافي
وَأَنْتَ سَيِّدُ الدُّنُوِّ يا وَلَه..
تَحَارُ أَهْدابُ الْبَحْر يا بَحْر
كُلَّما رَماني مَحَارُكَ بِتَمْرِ الْقَرارَة،
وَتَسْتَحيلُ سُفُنُ التَّوْقِ جِسْراً
إِلى جَحيمِ جُنُوني
ما اسْتَبَدَّ الْحَنِينُ رابِضاً
كَرِيحٍ تَهزُّ مَوانِئ الْعُمْر
وَتَعْصِفُ بِنَخيلِ السِّنين..
إِلاّ سَطْوَتكِ يا عَيْن،
فَما عُدْتُ أُدَبِّرُ مَوْكِبَكِ
بِحِكْمَةِ الآلِهَةِ الْعَتِيقَةِ الْمَنْأى
عَلى مَدارِ السَّماوات،
وَلا طَيْفُ عُبورِك يا لَيْل
يُلْهِمُني كَيْفَ أَكْتُبُ سِيرَةَ الْهَجْر
في ذِرْوَةِ إِمْطاري
الْمُهَدَّدِ بِاحْتِباسِ الْأَنْفاس
والْعابِرَةُ أَنا
وَالْوَطَنُ أَنتَ يا أنتَ.
منك تدنو
سُفُنُ الزمن الآثم
طَيِّعاً أَشَدّ ما يَكونُ التُّقى تَجْثِمُ
يا قَمَري الآبِق
مُومِضاً مِلْءَ الْوَجَل
قابِضاً أَنْفاسَ صَلَواتِ الْأَمْسِ الْآثِم..
في كُلِّ عَيْنٍ مَدى وَظِلّ،
في كُلِّ عَيْنٍ يَخْتالُ لَيْل،
وَأَحْرُفُ الدَّمْعِ في كِبْرِياء
تَكْتُبُ سِيرَةَ الْحِرْمان
مِنْ ياءِ يُتْمِك
إِلى أَلِفِ احْتِضارِك..
سماءً سماءً أَرْتَقيك
وَفي شَفَتَيّ وَرْدُ التَّوْق يَتَفَتَّح،
وَفي كَفَّيّ زَهْرُ اللَّوْزِ الْحَالِم
يُخَبِّئُ لَك غَداً
يَخُونُه الْمَطَر..
أَدْرَكْتُ أَنَّ اللَّيْلَ يَقْرَأُني فيك،
وَأَدْرَكْتُ أَنَّ صَوْتي
يَدْفَعُ ثَمَنَ خَطِيئَتِك
ما اشْتَعَلَتْ أَلْسِنَةُ الصَّمْت.
تمثُّلات لي.. ولك..
لَوْ يَنْتَهي بِكَ الطَّرِيق..
اَلنَّبْضُ الْجَاثِمُ في قَرارَةِ العَيْنِ يَسْلبُني دِفْءَ الْمَثْوى. اَلْعَوْدَةُ إِلى جُزُرِ الْقَلْبِ تَغْدو عَصِيةً ما طَابَ النَّوى، وَالْجِمارُ التي رَشَقْتُ بِها طائِرَ اللَّيْلِ تُقايِضُ يَدَيَّ نكايَةً في الشَّمْسِ الْمُشْرِقَةِ عَلى جِراحِ الثَّغْرِ الْبَاسِم.
أَتُوقُ إِلى دفْقِ الدَّمِ في شَرايين العُمْر، وَأَلْعنُ الْقَمَرَ الْمُعَلَّقَ عَلى عَمودِ السَّماءِ: «يَكْفيكَ ضَوْءاً فَما عادَ وَجْهي يَنْضُو افْتِضاحا».
إِلى الْأُفُقِ أَرْنُو بِعَيْنِ الدَّهْشَةِ كاشِفَةً أَسْرارَ السَّماواتِ التِّسْعَ عَشْرَةَ، وَمَطَرُ الرَّحيلِ يَكْتمُ وشايَةَ تَوْقي وَيَغْسِلُ مَراقي الرُّوحِ الآيِلَةِ لِلصُّعودِ في ذِرْوَةِ فَجْرٍ يرتقُ أَوْراقَ وَرْدي وَيُبارِكُ دُعاءَ رَغَباتٍ فاضَتْ بِها عَقارِب السَّاعَةِ الْمُعَطَّلَة.
أَهيمُ إِلى حَيْثُ يَهيمُ نَبْضي، وَأَسْأَلُ الزَّمَنَ رِفْقاً بِحَبَّاتي الْمُنْفَرِطَة. ما عادَ لِكَأْسِ الْقَمَرِ غِوايَة، وَلا عادَ لِشَوْكَةِ الْحِبْرِ سُلْطان.

ذيل
جَنَّدَني الزَّمَنُ،
فَجَنَّدْتُ الْحَرْفَ
لِخِدْمَةِ أَوْجاعي/ أَحْزاني.

بقلم : سعاد درير
copy short url   نسخ
09/07/2016
1998