حدَّثَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يوماً أصحابه فقال: بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ اشتدَّ عليه العطش، فوجدَ بئراً فنزل فيها، فشربَ وخرجَ، فإذا كلبٌ يلهث، يأكل الثرى من العطش!
فقال الرجل: لقد بلغَ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني، فنزلَ البئر فملأ خُفَّه ثم أمسكه بفمه، حتى صعدَ فسقى الكلب، فشكرَ الله له، فغفرَ له!
وحفظَ عنه أصحابه الدرس جيداً، وكانوا صُوراً من صورة رحمته، ولهم في الرحمة على الحيوانات قصصٌ تُكتبُ بماء الذهب على صحائف من فضة!
كان الصحابيُّ الجليل عَديُّ بن حاتم الطائي يفُتُّ الخبزَ للنملِ قربَ جدارِ بيته، ويقول: إنهنَّ جارات لنا ولهُنَّ علينا حق الجوار!
عندما مرضَ أبو الدرداء مرضَ موته، نظرَ إلى باحةِ داره، فرأى بعيراً له كان يستخدمه في معاشه فقال: يا أيها البعير لا تخاصمني إلى ربِّكَ، فإني لم أحمِّلكَ فوقَ طاقتك!
واشتهى عمر بن الخطاب السَّمكَ يوماً، فقال: لقد خطرَ على قلبي شهوة الطَّري من حيتان البحر.
فخرجَ خادمه يرفأ على ناقةٍ لعمر يطلبُ السَّمكَ، فسارَ ليلتين ذاهباً، وليلتين عائداً، وجاء بالسمكِ إلى عمر، فنظر عمر إلى الدابة فرأى عَرقاً تحت أذنها..
فقال ليرفأ: عذَّبتَ بهيمةً من البهائم في شهوة عمر، واللهِ لا أذوقه أبداً، كُله أنتَ!
واللهِ إنه لدين عظيم يرفعُ المرءُ رأسه فخراً أنَّ الله سبحانه قد هداه إليه!
فإذا كان عديُّ بن حاتم يفتُّ الخبزَ للنمل لأنه له عليه حقَّ الجار، فكيف تراه كان يتصرَّفُ مع جيرانه من المسلمين؟!
وإذا كان أبو الدرداء يطلبُ من البعير أن لا يخاصمه عند اللهِ فهو لم يحمل عليه فوق ما يُطيق، فكيف كانت أخلاقه مع أهله وخدمه؟!
وإذا كان عمر قد امتنعَ عن أكل سمكٍ اشتهاه لأنَّ دابةً قد تعبتْ في إحضاره فكيف كانت شفقته على الناس؟!
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ... فإنَّ التشبه بالكرامِ فلاحُ
بقلم: أدهم شرقاوي