+ A
A -
جريدة الوطن

دمشق- الأناضول- بعد سنوات من فظاعات السجن والتعذيب التي أزهق بها نظام بشار الأسد المخلوع حياة الآلاف، يظل مصير العديد من المفقودين في سجن صيدنايا بريف دمشق، لغزًا مؤلمًا ينتظر حله، بينما تتصاعد نداءات ذويهم للبحث عن العدالة.

ويطالب أهالي مفقودي سجن صيدنايا السلطات الجديدة في سوريا بتحقيق العدالة والوصول إلى ذويهم.

ومنذ انطلاق الثورة الشعبية بسوريا في مارس/‏ آذار 2011، ارتكب نظام الأسد البعثي جرائم يندى لها جبين الإنسانية..وتشير التقارير إلى ممارسة نظام الأسد شتى أنواع التعذيب التي أفضت إلى قتل الآلاف داخل مراكز الاعتقال.

ويعد سجن صيدنايا أحد أبرز مراكز التعذيب بسوريا في عهد نظام الأسد، حيث قُتل فيه عشرات الآلاف من المعتقلين.

غنى الكردي وياسمين الفاعوري، وهما من سكان دمشق، اثنتان بين آلاف الضحايا الذين لا يزالون يجهلون مصير أحبائهم المحتجزين في صيدنايا والذين لم يكشف عن مصيرهم بعد.

سنوات الإهانة

قالت غنى الكردي للأناضول، إن أغلب من تعرضوا لانتهاكات على يد نظام البعث، تم احتجازهم في صيدنايا.

وأوضحت أن شقيقها اعتُقل في 5 مايو/‏ أيار 2013، عندما كان يبلغ من العمر 20 عامًا، أثناء مروره بأحد شوارع العاصمة السورية دمشق.

وذكرت الكردي أنها لم تتمكن من معرفة مكان احتجازه بعد القبض عليه، إلى أن اكتشفت لاحقًا أنه محتجز في صيدنايا، حيث لم يُسمح لهم بزيارته، ولم يحصلوا سوى على بطاقة هوية عمله دون أي مستندات أخرى.

وقالت: «تقدمنا بطلبات زيارة، لكنها قوبلت بالرفض. عشنا سنوات طويلة من الخداع والإهانة والألم. كانت هذه السنوات صعبة للغاية علينا، في ظل سعينا المحموم للحصول على أي معلومة تخبرنا النذر اليسير عن مصيره».

مولودون من جديد

أشارت الكردي إلى أن الأخبار التي وصلتهم بعد سقوط النظام عن شقيقها، تفيد بإخراج جثث من سجن صيدنايا، لكنهم لم يعرفوا أين تم نقل هذه الجثث أو هوياتها.

وأضافت: «نريد أن نعرف ما إذا كان هؤلاء الأشخاص أحياء أم أمواتا. إذا كانوا أمواتا، نريد الحصول على أي أدلة تثبت ذلك».

ووجهت الكردي شكرها للثوار، وخاصة في إدلب، على جهودهم في تحرير سوريا، معربة عن امتنانها لكل من ساهم في إسقاط نظام الأسد.

كما تحدثت عن إنشاء موقع إلكتروني باسم «المولودون من جديد»، يهدف إلى تقديم الدعم للناجين من صيدنايا، مع التركيز على العمليات الجراحية وأنشطة الرعاية الصحية التي تتكفل بها وزارة الصحة تجاه أولئك الناجين.

أثر مفقود

من جانبها، أوضحت ياسمين الفاعوري أن زوجها أحمد الشبلي اعتُقل في 17 يناير/‏ كانون الثاني 2018، وأنها منذ ذلك الحين لم تستطع التواصل معه، ومعرفة مصيره، مضيفة أن آخر ما عرفته عنه أنه كان محتجزًا في صيدنايا.

وقالت الفاعوري: «حاولنا بكل الطرق تتبع أثره، لكننا فشلنا بسبب الظروف المادية والخوف من العواقب».

وأشارت إلى أنها لم تحصل على أي معلومات عن مصير زوجها حتى بعد تحرير سجن صيدنايا وإطلاق سراح العديد من المعتقلين.

وختمت بقولها: «نناشد جميع من يناضلون من أجل حرية سوريا بمساعدتنا. ونطلب من القائد أحمد الشرع، أن يدعمنا في هذه القضية».

رصد فريق من وكالة الأناضول ما يُعرف بـ«غرفة الإعدام» في سجن صيدنايا، أحد مراكز التعذيب في العاصمة السورية دمشق إبان عهد نظام الأسد المخلوع.

وبعد الإطاحة بنظام البعث في سوريا الذي دام حكمه 61 عاما، طفت على السطح قضية السجون التي تم فيها احتجاز المعتقلين خلال الحرب السورية، وتعرضوا فيها للتعذيب ولانتهاكات ممنهجة ضد حقوق الإنسان.

ومن بين هذه السجون، سجن صيدنايا التابع لوزارة الدفاع في النظام المخلوع.

ويحتوي مجمع السجن على منشأتين مختلفتين للاحتجاز تُسمى إحداهما «البناء الأبيض» والأخرى «البناء الأحمر».

كان المعتقلون الذين يُنقلون إلى السجن بواسطة شاحنات تُعرف بـ«برادات اللحوم»، يتعرضون للعنف الجسدي من قبل المسؤولين في السجن فور وصولهم إلى المجمع.

ووفق تقرير لمنظمة العفو الدولية، يشكل المدنيون الذين تم اعتقالهم منذ عام 2011 معظم المحتجزين في «البناء الأحمر»، بينما يضم «البناء الأبيض» الضباط والجنود الذين تم احتجازهم بتهمة «الخيانة» للنظام.

بالعموم كان يتم نقل المعتقلين إلى هذين البناءين بعد محاكمات غير عادلة في أحد المحاكم العسكرية بمنطقة المزة في دمشق.

وحسب شهادات من معتقلين وموظفين سابقين في السجن، شكّل المدنيون من مختلف شرائح المجتمع السوري، الذين اعتبرهم النظام معارضين له، معظم الأشخاص الذين احتجزوا في «البناء الأحمر» منذ عام 2011.

وذكر التقرير أنه يتم نقل المعتقلين في منتصف الليل، مع تغطية عيونهم، إلى «غرفة الإعدام» الواقعة في الزاوية الجنوبية الشرقية من «البناء الأبيض»، حيث يتم إبلاغهم فقط قبل دقائق من الإعدام بالحكم عليهم بالموت.

وأشار التقرير إلى أنه بين عامي 2011 و2015، كان يُعدم حوالي 50 شخصا كل أسبوع، أو أحيانا كل أسبوعين، في «غرفة الإعدام»، ويتم دفن جثثهم في مقابر جماعية قرب دمشق.

من جانب آخرتمكن نائب المدير العام لوكالة الأناضول ورئيس التحرير يوسف أوزهان وفريقه من رصد «غرفة الإعدام» بعد إجراء تحقيق استمر 4 ساعات في سجن صيدنايا و«البناء الأبيض»، استنادا إلى المعلومات التي تم تسريبها من السجن والخرائط التي نشرتها منظمات حقوق الإنسان الدولية.

دخل الفريق من الباب المحترق المطل على الفناء الخارجي الواقع جنوب شرق المبنى الأبيض في حرم السجن، ونزلوا على سلم مكون من ثلاث أو أربع درجات، وعندما انعطفوا يمينا، رأوا الزنزانات الثلاث الموجودة في الغرفة بحسب الرسومات التخطيطية، حيث تمت إزالة هذه المنطقة وتحويلها إلى عنبر تعرض الجزء الداخلي منه والأسرة ذات الطابقين للحرق​​​​​​​​​​.

وعثر فريق الأناضول على علامات واضحة تشير إلى أن هذا المكان كان غرفة إعدام، حيث كان يتم نقل السجناء إلى منصة ويتم إعدامهم شنقا، كما هو موضح في الرسومات التخطيطية في التقارير الدولية.

وفي الجزء من الغرفة الذي كان يتم فيها تنفيذ عمليات الإعدام، تظهر منصتان منفصلتان والسلالم المؤدية إلى هذه المنصات في مكانهما، تمامًا كما هو موضح في الرسومات التخطيطية.

وقد أشارت التقارير الدولية إلى استخدام منصات عالية، يمكن الوصول إليها عن طريق سلالم مكونة من ثلاث درجات وتتسع لعدد من الأشخاص في عمليات الإعدام.

وتشير التقارير إلى أن جلادي النظام كانوا يقومون في هذه المنصات بالتعلق بأجساد السجناء المعلقة من السقف لجعلهم يموتون بشكل أسرع عبر كسر أعناقهم.

وقال رئيس تحرير وكالة الأناضول ونائب مديرها العام، يوسف أوزهان: «كما هو معروف، فإن سجن صيدنايا هو أحد الأماكن التي شهدت أشد الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد ضد الإنسانية. ومن المعروف أن النظام أخفى عشرات الآلاف من الأشخاص هنا في السنوات الـ 14 الماضية، وأعدم الناس بشكل جماعي».

وأشار أوزهان إلى أن وكالة الأناضول تعمل على إعلام الجمهور وزيادة الوعي حول ما حدث من خلال تسجيل الوحشية في سجن صيدنايا منذ يوم الإطاحة بالنظام، وخلال هذه الفترة تم التعرف على الأشخاص الذين كانوا محتجزين هنا أو الذين فقدوا أقاربهم، حيث أجريت معهم مقابلات أيضًا.

وأضاف: «لا تزال هناك بعض التفاصيل التي تكشف أن المعتقلين والسجناء السياسيين تعرضوا هنا لقسوة كبيرة وتعذيب لا يمكن تصوره، وقد بدأنا كوكالة الأناضول عملا خاصًا لتوثيق الأعمال الوحشية خاصة في سجن صيدنايا».

ولفت أوزهان إلى أنهم يجرون العمل مع العديد من المنظمات الدولية المختلفة من أجل تتبع الوحشية في سجن صيدنايا.

وقال أوزهان إن وكالة الأناضول ستجري دراسة يتم فيها تسجيل أحداث صيدنايا، تمامًا مثل كتابي «الدليل»، و«الشاهد» اللذين وثقا جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة.

وقال الناشط السوري عمر الشغري إن الألم الجسدي «لم يكن السلاح الوحيد» الذي استخدمه النظام، وإن معتقلين أجبروا على تعذيب أو قتل بعضهم بعضا أو اختيار من سيموت في اليوم التالي.

الشغري المعتقل السابق والناشط في مجال حقوق الإنسان هو واحد من القلائل المحظوظين الذين استطاعوا الخروج أحياء من السجون الوحشية لنظام الأسد.

في عام 2015، نجحت محاولة تهريب الشغري من السجن وانتقل إلى أوروبا لاجئا، ليستقر في السويد ويعمل شاهدا رئيسيا في القضايا المرفوعة ضد المسؤولين عن الجرائم في سوريا.

ويشارك منذ سنوات في إلقاء كلمات ومداخلات في منصات مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وكلية الحقوق بجامعة هارفارد الأميركية.

العالم يعلم بفظائع سوريا

في حديث للأناضول، قال الشغري: «العالم كان على علم بالفظائع» في سوريا، مشيرا إلى «وثائق قيصر» التي تحتوي على آلاف الصور الفوتوغرافية التي توثق تعذيب المعتقلين في سوريا وإعدامهم منذ عام 2011.

ولفت إلى وجود 53 ألف صورة توثق التعذيب، وأن هذه الصور تظهر العديد من أساليب التعذيب، من قلع الأظافر إلى قلع العيون وحتى الموت..وأكد الشغري على أن الألم الجسدي «لم يكن السلاح الوحيد» الذي استخدمه النظام، وأن المعتقلين أجبروا على تعذيب بعضهم بعضا أو قتل بعضهم بعضا أو اختيار من سيموت في اليوم التالي.

تحقيق الحلم

وفي حديثه عن مقاطع الفيديو التي تظهر لحظات إطلاق سراح المعتقلين السوريين بعد انهيار نظام الأسد، قال الشغري: «كنت أحلم بهذه اللحظة منذ 9 سنوات»..وأضاف: «كانت هذه لحظة فرح وسعادة غامرة، وشخصيا لم أشعر بمثلها حين أُطلق سراحي».

وأردف: «لكن اليوم خرج الشعب المحرر إلى الشوارع واحتفلوا رافعين أيديهم. وهذا يعني الحرية والشرف والديمقراطية».

توثيق الفظائع

وأشار الناشط السوري إلى أهمية توثيق الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد، وأنه من المهم تدوين تجارب السوريين في التاريخ حتى لا تتكرر مثل هذه الفظائع مرة أخرى.

ولفت إلى أن النظام السوري السابق شكل تحالفات مع أنظمة دكتاتورية في عدة دول، وهو ما «عزز قبضته على السلطة».

وقال: «النظام أراد لنا أن نشعر بأنه لن يسقط أبدا. لكنني كنت أؤمن دائما أن النظام سيسقط، ولهذا واصلت العمل ورفعت صوتي، تماما مثل ملايين السوريين».

وأوضح أن انهيار نظام الأسد كان لحظة الحقيقة والعدالة لمن تعرضوا للتعذيب ومن فقدوا أحباءهم، ولم يبق لهم أمل في العيش.

وأضاف: «أتمنى ألا يجعلنا التاريخ نعيش هذه اللحظة أبدا مرة أخرى، لا نريد ديكتاتورا في سوريا مرة أخرى».

أزمة الهوية والعودة

وأعرب الشغري عن تفاؤله بمستقبل سوريا بعد انهيار نظام الأسد، وقال إنه متفائل «رغم صعوبة تحقيق الاستقرار في المرحلة الجديدة».

وشدد على أن إعادة بناء البلاد واستقرارها يحتاج إلى الوقت والجهد، وأنه يؤمن بأن السوريين سيعملون بإصرار من أجل الحرية والكرامة.

وأكد أنه على الرغم من رغبة بعض السوريين في العودة، إلا أن عملية اتخاذ القرار معقدة، لا سيما للذين قضوا معظم حياتهم في أوروبا.

ومستشهدا بإخوته الأصغر سنا الذين نشأوا في السويد، قال: «ستكون هذه مشكلة هوية لهم. إنهم يشعرون بالارتباط بالسويد حيث لديهم أصدقاء وحياة».

copy short url   نسخ
10/01/2025
0