+ A
A -
الدوحة الوطن

ناقش نخبة من الأساتذة الأكاديميين من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة قطر موضوع «الإصلاح الاجتماعي» في ثاني ندوات الأمة، والتي تنظمها إدارة البحوث والدراسات الإسلامية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في موسمها الثالث تحت شعار: «الفروض الكفائية.. طريق الإصلاح»، وذلك في إطار سعيها إلى إحياء مفهوم الفروض الكفائية، والمساهمة في إشاعة ثقافتها لدى الفرد والمجتمع كونه يعد من ضروريات الإصلاح، والبحث في إمكانية توظيفها والإفادة منها في عملية إصلاح الخلل في بعض المجالات في المجتمع.

وخلال كلمته أوضح الشيخ الدكتور أحمد بن محمد بن غانم آل ثاني مدير إدارة البحوث والدراسات الإسلامية أن ندوة إصلاح المجتمع من أهم الفروض الكفائية في طريق بناء الأمة واستعادة نهضتها، والحفاظ على وحدتها حيث يعد اللبنة الأولى للنهوض الحضاري والفكري والمعرفي، مشيراً إلى أن المتحدثين في الندوة سيحاولون طرح أهم مقومات هذا الإصلاح، وكيفية تفعيله في الأمة.

وقال د. أحمد بن محمد: في هذا الموسم من ندوة الأمة نناقش الفروض الكفائية كطريق لإصلاح الفرد والأسرة والمجتمع والأمة، وفي الندوة الثانية تناولنا الإصلاح الاجتماعي، والذي يعتبر ركيزة أساسية لإصلاح المجتمع والأمة، وفي الندوات القادمة، بمشيئة الله تعالى، نتناول الإصلاح الدعوي.

وأضاف: نتناول في هذا الموسم أربعة جوانب للإصلاح المجتمعي في مفهوم الفروض الكفائية، فبسبب سوء الفهم والاستيعاب للفروض الكفائية اقتصر فهمها على العبادات، على الرغم من أن الفروض الكفائية جاء بها الشرع كأشمل وأكبر، فتتناول الجوانب التعليمية والاقتصادية والأمنية والفكرية، وغيرها من جوانب المجتمع، فنحاول أن نعيد مفهوم الفروض الكفائية في المجتمع.

وأكد مدير إدارة البحوث في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أن الإدارة تقوم كل موسم بطباعة الأوراق البحثية، لعدم القدرة على فتح الوقت أمام المشاركين لتناول كافة النقاط والجوانب بالاستفاضة التي عملوا عليها، فوقتها محدد، لذا تطلب الإدارة من الباحثين تقديم أوراق بحثية محكمة تتم مراجعتها وتحكيمها في الوزارة، ثم يتم نشرها بعد نهاية الموسم.

ونوه إلى إصدار كتاب الحواضن الثقافية، والتي تناول موضوعها الموسم الأول لندوة الأمة، مشيراً إلى أن هذا العام سيشهد إصدار كتاب الموسم الثاني، وهو قيمنا عماد الحضارة وسبيل النهوض، بالأوراق البحثية المقدمة في الموسم الثاني، وبعد انتهاء الموسم الثالث يتم جمع كافة الأوراق البحثية ويتم تحكيمها ومراجعتها لتصدر في عدد خاص لندوة الأمة.

وأوضح أن إصدارات ندوة الأمة يتم توزيعها لجميع مؤسسات الدولة، سواء الحكومية أو الخاصة، ويتم ارسال الإصدارات لهم كأوراق بحثية، ليسعينوا بها إن أرادوا ذلك في خلق أفكار لحل القضايا التي تتطرق لها الندوة، مشدداً على حرص ندوة الأمة على أن تخدم المجتمع في القضايا التي يتم طرحها، وتسليط الضوء على الجوانب التي لا تشهد طرح واسع لها.

افتتح الندوة الأستاذ الدكتور عبدالسلام مقبل المجيدي أستاذ الدراسات القرآنية في كلية الشريعة بجامعة قطر في المحور الأول للندوة طرح فكرة أن «الفروض الكفائية» هي بالأصل: «تكاليفٌ شرعية.. وواجباتٌ اجتماعية»، وذلك بالبحث والنظر في ثلاث أفكار فرعية، الأولى تمحورت حول حدود «التكليف».. وأبعاد «الواجب»، معرفاً الواجب الكفائي بأنه ما يطالب بأدائه مجموع المكلفين، وإذا قام به بعضهم سقط الطلب عن الباقين، وإذا لم يفعله أحد أثموا جميعاً، كالذي يجب لخير المجتمع أحياءً وأمواتاً من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح بين المسلمين وإنقاذ الغريق والقضاء والإفتاء وأداء الشهادة وأنواع الصناعات التي تقوم بها مقومات الحياة المجتمعية.

وأكد د. المجيدي أن الفروض الكفائية عماد للبنية الأساسية للمجتمع فهي تبني المجتمع والدولة، وذلك من خلال حفظ المصالح العامة للدولة، والقيام على التنمية الاقتصادية والتكنولوجية من الصناعة والزراعة وغيرها، وكل ما يحتاجه المجتمع لحفظ كيانه وقيمه ومصالحه، وإقامة الخطط الأمنية لتأمين الدولة ومقدراتها، وتنظيم طاقات الأمة البشرية ليسد كل منهم الثغرة المناسبة من جهته وفق قدراته وطاقاته، فالاستقامة تقتضي تحقيق الكرامة الإنسانية، وذلك لا يمكن أن يتحقق دون وجود التنمية البشرية.

وذكر أن من أبرز أدلة التأصيل الشرعي للفروض الكفائية قول الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: «وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ»، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فكل ميسر لما خلق له»، وقوله: «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله».

وتناول الدكتور تركي عبيد المري أستاذ الفقه وأصوله في كلية الشريعة بجامعة قطر، محور الحال الذي عليه مؤسسات العمل الاجتماعي، وما يمكن أن يكون قد أصابها من خلل، وإمكانية إصلاحها بواسطة الفروض الكفائية، وذلك من خلال ثلاث أفكار فرعية.

وذكر أن مؤسّسات العمل الاجتماعي تؤدّي دورًا حيويًّا في دعم الفئات المهمّشة وتمكين المجتمعات من تحقيق التنمية المستدامة فهي تُعدّ حلقة وصل بين الأفراد والجهات الحكوميّة وغير الحكوميّة لتقديم الخدمات الاجتماعيّة، سواء كانت صحية أو تعليميّة أو تمكينيّة. ومع ذلك، تواجه هذه المؤسّسات جملة من التحدّيات التي تعرقل قدرتها على تحقيق أهدافها الإنسانيّة والتنموية، ما يستدعي ضرورة البحث في أسباب الخلل واقتراح سُبل الإصلاح.

وقال إن مؤسّسات العمل الاجتماعي هي هيئات منظّمة تهدف إلى تحقيق الرفاه الاجتماعي عبر تقديم خدمات متنوعة مثل الرعاية الصحية والتعليم والتمكين الاقتصادي والدعم النفسي والاجتماعي، وتتعد أنواعها لتشمل المؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية مثل الجمعيات الخيرية والتنظيمات التنموية، وجميعها تهدف إلى تعزيز العدالة الاجتماعية، وتمكين الأفراد والمجتمعات، والاستجابة للأزمات، وتحقيق التنمية المستدامة.

وحول الأهمية الحيوية لمؤسسات العمل الاجتماعي ودورها المجتمعي، أوضح الدكتور تركي عبيد المري أنها تشتمل تحقيق عدة أهداف أبرزها: التكافل الاجتماعي من خلال تعزيز قيم التضامن والمساعدة خاصة في الأزمات، التنمية المستدامة عبر المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، التمكين الاقتصادي بتوفير برامج للتدريب والدعم المالي للمجموعات المهمشة، والحفاظ على النسيج المجتمعي عبر برامج الإصلاح الأسري وحماية الأطفال والنساء وكبار السن.

ولفت إلى أنه يوجد خلل في بعض مؤسسات العمل الاجتماعي يؤثر على جودة وفاعلية أداءها بالشكل الأمثل، مؤكداً أن إصلاح مؤسسات العمل الاجتماعي تتمثل في تبني نهج شامل يجمع بين تحسين الكفاءة الإدارية وحوكمتها، تعزيز نظم الرقابة والشفافية، تنويع مصادر التمويل، وزيادة الوعي المجتمعي بدورها وأهميتها.

واختتم الدكتور يوسف أحمد عاشير أستاذ مساعد بقسم الفقه في كلية الشريعة بجامعة قطر، محاور الندورة بطرح رؤية مستقبلية حول إمكانية تفعيل «الفروض الكفائية» من أجل تحقيق أهداف التنمية المجتمعية والحفاظ على المصالح العامة للناس.

copy short url   نسخ
10/01/2025
10