+ A
A -

منذ عقود طويلة، بدأ نجم التنمية الذاتية في اللمعان، وأخذت دورات التحفيز ومدربو تطوير الذات ينتشرون في كل مكان حول العالم. كان الناس بحاجة إلى من يحفزهم، ويبث الأمل في نفوسهم، ويسمعهم كلمات رنانة، ويعدهم بالنجاح والثراء والحياة الرغيدة. لكن بعد انقضاء سنوات عديدة، بدأنا نرى الجانب المظلم لمسألة التحفيز تحديداً.

إن كل ما ذكرناه أعلاه لا يعني أن التنمية الذاتية غير جديرة بوقتك، لكنه يشير بأصابع الاتهام إلى كثير من المؤلفين ورواد هذا المجال ممن يستغلون حاجة الناس إلى التحفيز بهدف تحقيق مكاسب مادية لا أكثر ولا أقل، دون أن يقدموا نصائح مفيدة بالفعل، ومعلومات تضع الإنسان على درب النجاح.

اسأل نفسك: كم مرة تابعت مقطعاً محفزاً، أو حضرت ندوة تحفيز واستفدت؟ كم مرة سمعت تلك الشعارات الرنانة وانقلبت حياتك من بعدها رأساً على عقب؟ الإجابة غالباً ستكون «ولا مرة!». فلماذا إذن يرى بعض الخبراء أن التحفيز كلام فارغ؟

في مرحلة ما من حياتنا صدقنا كذبة التحفيز، التي تنص على أنك يجب أن تشعر بأنك مستعد للتغيير فعلاً، وبأنك تمتلك الشجاعة اللازمة، والثقة المطلوبة، حتى تشرع في تغيير حياتك. لكن كل هذا الكلام محض هراء ليس إلا، لأنك قد تملك أفكار عظيمة، ومخططات يمكنها أن تقلب حياتك إلى الأفضل؛ إلا أنك تفتش عن الحلقة المفقودة حتى تخرجها للعلن؛ تلك الحلقة هي التحفيز. وبالتالي فإنك قد تنتظر العمر كله دون أن تحقق شيئاً، في انتظار إحساسك بالتحفيز المناسب للانطلاق، وفعل ما تريده، لكن دون جدوى..من الأمثلة القريبة على ذلك، طالب ينتظر أن يشعر بالتحفيز حتى يدرس، فيقضي طيلة السنة وهو يضيع وقته، ويشعر بالذنب لأنه لا يدرس، وكلما حاول البدء يشعر بالضجر والملل فينسحب، منتظراً تلك اللحظة التي يشعر فيها بالتحفيز ليفتح كتبه ويدرسها. لكن تلك اللحظة لا تأتي أبداً، وإن أتت بعد جهد جهيد فإنها لا تدوم طويلاً، الأمر الذي يبقيه في نفس الدائرة المفرغة دون القيام بما عليه فعله في سبيل النجاح والانتقال إلى المرحلة القادمة من حياته.

في الواقع، إن عقولنا غير مصممة لفعل أشياء لا تشعرنا بالراحة أو تبدو صعبة، بل هي مصممة لتحمينا من تلك الأشياء في سبيل البقاء والاستمرار. لكن حتى تغير واقعك، وتحقق أهدافك وأحلامك، فلا بد لك أن تفعل أشياء صعبة ومتعبة تشعرك بالملل والإرهاق، بينما يحاول عقلك منعك من القيام بها. وبالتالي فإنك لن تشعر بالتحفيز إطلاقاً تجاه مثل تلك الأشياء التي أنت مفطور على تجنبها بحكم الطبيعة البشرية. وبناء على ذلك، فإن التحفيز بلا أي معنى، لأنك ستحس بالتحفيز فقط حين تفعل أشياء بسيطة ومريحة، لا عندما تضطر للدراسة أو التدرب أو العمل..إن أكثر ما يجعلك لا تقوم بالأشياء المطلوبة في سبيل أهدافك هو انتظار الشعور بالتحفيز، والتردد في اتخاذ القرار. ولهذا، فإن أصل كل مشكلة في حياتك أو شكوى مستمرة هو عدم إبداء أي فعل أو التردد في اتخاذ القرارات..عندما تدرك بأن التحفيز كلام فارغ، وأنك لن تشعر إطلاقاً بأنك متحفز للقيام بالأشياء الصعبة والمخيفة أو الجديدة؛ فإنك ستتوقف عن انتظار الوقت المناسب الذي تشعر فيه بأنك مستعد ومتحفز.. وتبدأ باتخاذ قرارات جديدة، والقيام بما عليك فعله فوراً دون أدنى تأخير أو تسويف، موقناً أن المبادرة إلى العمل هي التي ستحقق أهدافك وأحلامك، لا انتظار تحفيز لن يتحقق مع الأشياء الصعبة، أو لحظة مناسبة لن تأتي على الإطلاق مهما انتظرت.

copy short url   نسخ
13/01/2025
0