تواصل قطر بوتيرة سريعة إنجاز مرحلة التحولات من الأنماط التقليدية في كل القطاعات وعلى كل المسارات إلى النظم الحديثة، لتكون في صدارة الدول التي تدار منشآتها ومرافقها باستخدام التقنيات المتطورة والذكاء الاصطناعي، وغيرها مما يستجد من ابتكارات لتعزيز رفاهية المجتمع وتحسين جودة الحياة، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتنفيذ رؤية قطر 2030.

فمثلما حققت التنويع الاقتصادي بالتحول من مصادر محدودة إلى مصادر متعددة ومتنوعة، مضت كذلك على طريق تنويع مصادر الطاقة، فرغم أن قطر أكبر مصدر للغاز في العالم تليها أميركا ثم واستراليا بحسب قاعدة بيانات وحدة أبحاث الطاقة الأميركية ومقرها واشنطن عن شهر يوليو الماضي، إلا أنها لم تركن إلى هذا التفوق، ولم تكتف بتربعها على عرش الدول المنتجة والمصدرة للغاز، وإنما بادرت بالانطلاق نحو التوسع في مشاريع توليد الطاقة المتجددة من الشمس، وضخ المزيد من الاستثمارات فيها، ومن أبرزها مشروع محطة «الخرسعة» للطاقة الشمسية الذي افتتحه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، من المقرر أن يتبعه ثلاث محطات أخرى تبدأ الإنتاج في العام 2025.

لا يخفى على أحد أننا نعيش في بيئة عالمية مضطربة، تشهد تحولات من سيئ إلى أسوأ، في الحروب والأزمات والتحديات، ولكننا في قطر والحمد الله نعيش مرحلة تحولات من حسن إلى أحسن، ففي خانة الطاقة بدأت قطر تستفيد من قدراتها الإضافية في إنتاج الكهرباء من الشمس كمصدر متوفر، ومتجدد كل يوم، مستدام لا ينضب، نظيف خال من الانبعاثات الضارة بالبيئة، وبالتالي تضيف جديدا إلى مبادراتها الرائدة عالميا في الحد من الاحتباس الحراري، والتصدي لآثار التغير المناخي، وتعزز مكانتها في هذه المهمة الدولية كنموذج يحتذى به وشريك فاعل ضمن المجتمع الدولي في التصدي لهذه المخاطر.

طموح قطر لا سقف له، لا تتوقف عن العمل مهما حققت من إنجازات هائلة كمًّا وكيفا، ولا عن التنويع في الموارد، تمضي فتعزز الابتكارات وتنجز التحولات وتشيِّد المنشآت تلو المنشآت، بفضل قيادة حكيمة رشيدة، وشعب متماسك خلف قيادته على قلب رجل واحد، يحب العمل والنجاح والاتقان.

وفي محطة الخرسعة للطاقة الشمسية يتجلى هذا الطموح بكل وضوح، صرح حضاري وحصري شاهد على التطور السريع، أول مشروع في سلسلة مشاريع قطر لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، وضمن أكبر المحطات من نوعها في المنطقة، فهي إذن بداية قوية لما سيأتي بعدها من محطات في مسيعيد وراس لفان ودخان، وتقام على مساحة 10 كيلومترات، بتكلفة 1,7 مليار ريال، بها 1,8 مليون لوحة شمسية مزدوجة، لتوليد 800 ميغاوات، أي ما نسبته 10 % من مجمل الطلب المحلي، وهي نسبة طموحة مقارنة بما تنتجه المحطات في العديد من الدول.

أما مستوى التقنيات المستخدمة فيها، فهي الأحدث على مستوى العالم، لتكون قطر قد ودَّعت بالفعل الأنماط التقليدية، وحجزت مكانها بجدارة في الحياة العصرية، تلك التي يحلم بها معظم شعوب العالم، فاللوحات الشمسية مثبتة على قواعد معدنية تتحرك آليا لتظل في مواجهة الشمس تتعقب حركتها بدءا من لحظة الشروق حتى لحظة الغروب، وحفاظا على نظافة وملمس اللوحات الزجاجية والخلايا الشمسية وحمايتها من الأتربة وموجات الغبار التي تثيرها العوامل الجوية تقوم الروبوتات الحديثة بغسلها وتنظيفها بالمياه المعالجة، بهدف تعزيز كفاءة المحطة وضمان استدامة عملية توليد الكهرباء بتكلفة أقل، فمن شأن هذه العملية رفع قدرة الألواح الزجاجية على استقبال الطاقة الشمسية وتحويلها إلى طاقة كهربائية عن طريق التأثير الكهرضوئي الذي تنتجه الخلايا الكهرضوئية في الألواح، وهذه أمور فنية تقنية لها فرسانها الذين يتحدثون حولها، وإن كنت قد أتيت على بعض منها فمن باب الاستمتاع بالرفاهية العصرية، وبيان الفرق بين التقليدي القديم والمبتكر والجديد.

قد يظن البعض أن هذا هو دور محطة الخرسعة وكفى، وإنما عند مناقشة جدواها ودورها الأهم باستفاضة، نجده يتمثل في تحقيق زيادة العوائد الاقتصادية، ودعم القدرة التنافسية في القطاعات الانتاجية، كون الكهرباء تتوفر لها بتكلفة أقل منها عن الطرق التقليدية، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والبيئي المستدام، تحسين جودة الهواء، توفير فرص عمل في التصنيع والتركيب والصيانة والتشغيل، والحفاظ على ما يذخر به وطننا من موارد اقتصادية طبيعية للأجيال القادمة من أبنائنا.

ولهذا تواصل الدولة التوجه الكامل نحو توليد الطاقة المتجددة ضمن تنفيذ استراتيجيات الاستدامة، وقد حولت اسم شركة قطر للبترول إلى قطر للطاقة مواكبة للتوجه نحو كفاءة أكثر في استخدام الطاقة وتنويع مصادرها، حيث تطمح إلى توليد أكثر من 5 غيغاواتات من الطاقة الشمسية بحلول عام 2035، ومن المقرر في العام 2025 افتتاح وتشغيل محطتين للطاقة الشمسية في مسيعيد وراس لفان، وبهما سيرتفع إجمالي إنتاج الطاقة الشمسية في إلى ما بين 15 % و16 %.

من نافلة القول إن التنمية المستدامة هي هدف العالم أجمع، كما أن الطاقة هي المحرك الأساسي والعنصر الفاعل لكل تنمية وتطور، ولا تصنيع اليوم ولا خدمات ولا مرافق بدون طاقة، وبالتالي فإن الطلب العالمي على الطاقة سوف يشهد ارتفاعا كبيرا، ولأن قطر لديها مصدر غني للطاقة الشمسية فإن الطموح يتجه نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه الطاقة ومن ثم التوجه إلى التصدير، إذا ما تم تشجيع القطاع الخاص على خوض غمار التجربة مع توفير شركات ذات خبرة عالية، وهذا ما سوف يتحقق بإذن الله وبجهود وسواعد أبناء الوطن الغالي.

بقلم: د. بثينة حسن الأنصاري خبيرة تطوير التخطيط الاستراتيجي والموارد البشرية