في لحظة تاريخية فارقة، نجح الجيش السوداني في تحقيق انتصار جديد على قوات الدعم السريع بإحكام سيطرته على مدينة ود مدني، ثاني أكبر المدن السودانية وعاصمة ولاية الجزيرة وسط البلاد، وأقرب المدن للعاصمة الخرطوم.
هذا التقدم العسكري ليس مجرد نصر ميداني، بل يمثل تحولًا استراتيجيًا في مسار الصراع الدائر وانتهاء الحرب لصالح صيانة الدولة الوطنية، ودليلًا على كفاءة الجيش السوداني وقدرته على استعادة زمام المبادرة في مواجهة واحدة من أخطر التحديات التي تهدد وحدة البلاد واستقرارها.
وليست ود مدني، بموقعها الجغرافي الحيوي وأهميتها الاقتصادية والاجتماعية، مجرد مدينة؛ فهي رمز للصمود والإرادة الوطنية، مما يجعل تحريرها من قبضة القوة المتمردة إنجازًا له أبعاد عميقة، تتجاوز حدود المعركة إلى التأثير على توازن القوى على المستوى الوطني.
لم يكن انتصار الجيش في هذه المدينة الاستراتيجية مجرد حدث عسكري معزول، بل رافقته احتفالات عفوية اجتاحت مختلف مدن السودان، حيث خرجت جموع الشعب السوداني تعبيرًا عن فرحتها الصادقة بهذا الإنجاز، مما يعكس بوضوح الالتفاف الشعبي حول الجيش باعتباره الحامي الأول للوطن ووحدته.
يتجلى الفارق بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العديد من الجوانب، بدءًا من العقيدة القتالية وانتهاءً بالهيكل التنظيمي، وهو ما يُفسر تماسك الجيش وقدرته على الصمود، مقابل الطبيعة الهشة والانتهازية للدعم السريع.
فالجيش السوداني يعتمد على عقيدة قتالية وطنية متجذرة في تاريخ طويل من الدفاع عن سيادة السودان ووحدته. هذه العقيدة تقوم على الولاء للدولة ومؤسساتها، مما يضمن التزام الجنود بالمهام العسكرية وفق قيم الانضباط والتضحية.
وقد أثبت الجيش السوداني قدرته على القتال في ظروف شديدة التعقيد، مستمدًا قوته من إرثه الوطني، وتقاليد صارمة تُعزز روح الفريق والانتماء للمؤسسة.
على النقيض، تفتقر قوات الدعم السريع إلى عقيدة قتالية راسخة. إذ تأسست كقوة غير نظامية قائمة على الولاء الشخصي والارتباط القبلي، وليس الولاء للوطن.
ويتمتع الجيش السوداني بهيكل تنظيمي متين قائم على التراتبية الواضحة، التي تحدد الأدوار والمسؤوليات داخل المؤسسة العسكرية. وهو يُدار وفق نظم صارمة في التدريب والتخطيط الإستراتيجي، مع التزام كامل بقوانين الحرب الدولية. هذا الانضباط يجعل الجيش أكثر قدرة على التكيف مع مختلف التحديات، كما يُعزز من استمرارية العمليات العسكرية حتى في أحلك الظروف.. في مقابل ذلك تفتقر الدعم السريع إلى البنية التنظيمية المتماسكة.
ويخضع أفراد الجيش السوداني لتدريبات متقدمة وفق معايير عسكرية دولية، مع توفير أسلحة نوعية تناسب العمليات القتالية المتعددة. فالتدريب المكثف يخلق أفرادًا لديهم كفاءة عالية في استخدام الأسلحة الحديثة والتعامل مع المواقف القتالية المتنوعة.. بينما تفتقر الدعم السريع إلى تدريب منهجي محترف، وتعتمد على التجنيد العشوائي الذي غالبًا لا يُراعي معايير الكفاءة.
أما أهمية ود مدني، فتبرز من موقعها الجغرافي المميز في قلب السودان، حيث تمثل حلقة وصل بين الخرطوم وبقية ولايات البلاد، مما يجعل السيطرة عليها تأمينًا لخطوط الإمداد الحيوية، وممرًا استراتيجيًا نحو مناطق الجنوب والشرق.
المدينة ذات ثقل اقتصادي كبير، كونها عاصمة ولاية الجزيرة، ومركزًا لمشروع الجزيرة الزراعي، ما يُتيح للجيش تأمين الموارد الغذائية والمائية والاستفادة من البنية التحتية كشبكة الطرق الرئيسية لتمركز القوات، وإعادة توزيعها نحو جبهات أخرى.
كما تكتسب ود مدني كذلك رمزية سياسية واجتماعية كبيرة نظرًا لثقلها السكاني ودورها التاريخي، ما يضيف بعدًا معنويًا لسيطرة الجيش عليها، ويُظهر قدرته على استعادة المدن الكبرى من قبضة المليشيات.
هذه السيطرة تُهيئ المدينة لتكون قاعدة انطلاق نحو مناطق استراتيجية أخرى، مثل القضارف وسنار، مما يعزز التوسع العسكري، ويفرض مزيدًا من الحصار على الدعم السريع، في خطوة قد تكون حاسمة لتأمين كامل البلاد.
فور دخول طلائع الجيش ود مدني صباح السبت اندلعت احتفالات عفوية في مختلف المدن السودانية، حيث عمت مشاعر الفرح والفخر الأرجاء، لتتحول الشوارع إلى ساحات احتفاء بالإنجاز الوطني.
لم تكن هذه الاحتفالات مجرد تعبير عن فرح لحظي، بل رسالة شعبية واضحة تجسد ثقة المجتمع في الجيش كحامٍ للسيادة الوطنية، ورفضًا قاطعًا لوجود قوات الدعم السريع التي باتت معزولة اجتماعيًا بعد جرائمها وانتهاكاتها.
الشعب السوداني، الذي عانى ويلات الحرب والدمار، وجد في انتصارات الجيش بارقة أمل لاستعادة الأمن والاستقرار. إن الهتافات والشعارات التي رددها المحتفلون عبّرت عن وحدة الموقف الشعبي، إذ شددت على أن الجيش يمثل إرادة الوطن بأكمله، وليس مجرد مؤسسة عسكرية.
لكن التحدي الأكبر يكمن في الانتقال من الانتصار العسكري إلى بناء سلام دائم وشامل. فالحرب مهما طالت لا يمكن أن تحل محل الحلول السياسية التي تضع نهاية جذرية للصراع وتعيد للسودان وحدته وسيادته. يتحمل الجيش، بوصفه رمزًا للسيادة الوطنية، مسؤولية دعم المبادرات السياسية التي تسعى لتوحيد السودانيين وإنهاء الانقسامات.
ختامًا، لا بد من دعوة جميع الأطراف إلى الانخراط في مسار سياسي حقيقي ينهي الصراع المسلح، ويؤسس لدولة مدنية ديمقراطية تضمن السيادة والوحدة، وتُخرج السودان من دوامة الحرب إلى آفاق جديدة من التنمية والسلام. هذا الطموح لن يتحقق إلا بتكاتف السودانيين جميعًا، وإعلاء مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات الأخرى.