حمد حسن التميمياستيقطت قبل عدة أيام على اتصال من أحد الأصدقاء، يتساءل عن سبب غيابي عن إحدى المحاضرات المهمة، والتي عادة ما نتبادل الحديث بعد انتهائها، فأخبرته أنني خارج البلاد في رحلة علاج مع الوالدة بالولايات المتحدة الأميركية وبالتحديد في ولاية شيكاغو، وتجاذبنا أطراف الحديث حول عقوق الوالدين وتنكر البعض لوالديهم وانشغالهم الدائم بأمور الدنيا، وهو ما جعلني أستحضر قصة القصيدة المشهورة والتي شاعت في سائر أنحاء العراق والوطن العربي بأسره، وظل الناس يتداولونها حتى أيامنا هذه، حتى أن الكثير من الفنانين غنوها بأعذب الأصوات، وهزّت قلوبنا جميعاً بمعانيها العميقة وكلماتها المؤثرة، تقول القصيدة:
عبرت الشط على مودك وخليتك على راسي
كل غطه أحس بالموت وقوة أشهق أنفاسي
كل هذا وقلت أمرَك أحلى من العسل مُرَّك
وين تريد أروح وياك بس لا تجرح إحساسي
يحكى أن امرأة وطفلها البالغ من العمر سبعة أشهر، كانا يعيشان في قرية وسط مدينة بغداد تبعد مسافة قصيرة جدّاً عن شط نهر دجلة، الذي يعدّ ثاني أطول نهر في العراق، حيث يصل طوله إلى نحو 1800 كم.
وذات يوم مكفهر ملبد بالغيوم، اجتاح فيضان جارف شديد الخطورة قريتها الصغيرة، فاضطرت الأم جراء ذلك إلى محاولة عبور الشط باتجاه الضفة الآمنة لتنقذ طفلها الرضيع من موت محتم. فقامت برفع ابنها بكلتا يديها ووضعته فوق رأسها حتى تحميه من الغرق، وخاضت في المياه تصارع الأمواج المتلاطمة وتدفق الفيضان الجارف، حيناً تغرق بفعل الأمواج العاتية، وحيناً تتمكن بشق الأنفس من رفع رأسها والتقاط أنفاسها.
بقيت الأم تجاهد وابنها الرضيع على رأسها لا يعي ما تكابده والدته من أخطار تهدد حياتها في سبيل الوصول إلى بر الأمان وإنقاذ طفلها الذي أدخل النور إلى وجودها، فأشرقت الدنيا سعادة بقدومه.. حتى استطاعت في نهاية المطاف وبعد جهد جهيد وكفاح مستميت أن تصل إلى اليابسة، وتنقذ فلذة كبدها.
مرت السنين تباعاً بعد تلك الحادثة المؤلمة، والأم تعمل ليل نهار، لا غاية لها سوى توفير حياة هانئة سعيدة لابنها الغالي، وتأمين تعليم جيد له يؤهله لخوض الحياة العملية بثقة، متسلحاً بالمعرفة والمهارات المناسبة التي تمكنه من تحقيق أي شيء يرنو إليه.
كبر الطفل الصغير تحت رعاية أمه الحنونة المكافحة، وغدا واحداً من الأثرياء المعروفين في بلده وخارجها، وكبرت الأم بدورها لتصبح عجوزاً أنهكتها مصاعب الدهر، ثم كانت الصدمة الكبرى حين أرسل الابن والدته - التي أنقذت حياته عندما كان طفلاً صغيراً، واعتنت به طوال تلك السنوات الطوال - إلى دار رعاية المسنين، بطلب من زوجته التي أقنعته بالفكرة بعد إصرار وإلحاح.
كان وقع الصدمة كبيراً للغاية على قلب الأم المسكينة، وهي التي بذلت كل ما تملكه في سبيل إنقاذ ابنها وإسعاده وتنشئته بأفضل صورة ممكنة، إلى أن صار رجلاً ناجحاً، ونسي فضلها، ليستمع إلى ما تقوله امرأته ويرسل والدته بعيداً عنه، بدلاً من أن يحتويها ويعتني بها بدوره بعد أن استبد بها العمر وأتعبها ضنك الحياة.
على الإنسان ألا ينسى فضل والديه عليه، وعلى الأخص أمه التي ذاقت الأمرّين في حمله وولادته، وسهرت الليالي ترعاه وتعتني به، حتى صار رجلاً. إن تلك التضحيات الكبيرة التي تبذلها الأم لجديرة بكل حب وامتنان. ولا يكون الامتنان لإنسانة بذلت في سبيلك أغلى ما تملك؛ وقتها وصحتها، إلا بالاهتمام بها ورعايتها عندما تكبر في العمر. رعتك صغيراً بكل ما تملك من قوة، وحان الوقت لترعاها بعد أن كبُرتْ.
لا ينبغي أن تكون هناك امرأة في الوجود قبل أمك. ينبغي أن تكون أمك المرأة الأولى في حياتك؛ بمعنى أن تكون راحتها وسعادتها فوق كل شيء، وقبل إرضاء زوجتك مهما كانت الظروف والأحوال والمبررات.
عندما قدّمتْ لك الرعاية لم تتذرع بأي مبررات لعدم فعل ذلك، بل أعطت كل ما لديها بكل حب ودون أي شرط. وما عليك سوى أن ترد جزءاً من فيض حنانها وعطاءاتها عندما تكبر، فترعاها وتعتني بها، دون أن تفكر للحظة واحدة بالتخلي عنها.
عبرت الشط على مودك وخليتك على راسي
كل غطه أحس بالموت وقوة أشهق أنفاسي
كل هذا وقلت أمرَك أحلى من العسل مُرَّك
وين تريد أروح وياك بس لا تجرح إحساسي
يحكى أن امرأة وطفلها البالغ من العمر سبعة أشهر، كانا يعيشان في قرية وسط مدينة بغداد تبعد مسافة قصيرة جدّاً عن شط نهر دجلة، الذي يعدّ ثاني أطول نهر في العراق، حيث يصل طوله إلى نحو 1800 كم.
وذات يوم مكفهر ملبد بالغيوم، اجتاح فيضان جارف شديد الخطورة قريتها الصغيرة، فاضطرت الأم جراء ذلك إلى محاولة عبور الشط باتجاه الضفة الآمنة لتنقذ طفلها الرضيع من موت محتم. فقامت برفع ابنها بكلتا يديها ووضعته فوق رأسها حتى تحميه من الغرق، وخاضت في المياه تصارع الأمواج المتلاطمة وتدفق الفيضان الجارف، حيناً تغرق بفعل الأمواج العاتية، وحيناً تتمكن بشق الأنفس من رفع رأسها والتقاط أنفاسها.
بقيت الأم تجاهد وابنها الرضيع على رأسها لا يعي ما تكابده والدته من أخطار تهدد حياتها في سبيل الوصول إلى بر الأمان وإنقاذ طفلها الذي أدخل النور إلى وجودها، فأشرقت الدنيا سعادة بقدومه.. حتى استطاعت في نهاية المطاف وبعد جهد جهيد وكفاح مستميت أن تصل إلى اليابسة، وتنقذ فلذة كبدها.
مرت السنين تباعاً بعد تلك الحادثة المؤلمة، والأم تعمل ليل نهار، لا غاية لها سوى توفير حياة هانئة سعيدة لابنها الغالي، وتأمين تعليم جيد له يؤهله لخوض الحياة العملية بثقة، متسلحاً بالمعرفة والمهارات المناسبة التي تمكنه من تحقيق أي شيء يرنو إليه.
كبر الطفل الصغير تحت رعاية أمه الحنونة المكافحة، وغدا واحداً من الأثرياء المعروفين في بلده وخارجها، وكبرت الأم بدورها لتصبح عجوزاً أنهكتها مصاعب الدهر، ثم كانت الصدمة الكبرى حين أرسل الابن والدته - التي أنقذت حياته عندما كان طفلاً صغيراً، واعتنت به طوال تلك السنوات الطوال - إلى دار رعاية المسنين، بطلب من زوجته التي أقنعته بالفكرة بعد إصرار وإلحاح.
كان وقع الصدمة كبيراً للغاية على قلب الأم المسكينة، وهي التي بذلت كل ما تملكه في سبيل إنقاذ ابنها وإسعاده وتنشئته بأفضل صورة ممكنة، إلى أن صار رجلاً ناجحاً، ونسي فضلها، ليستمع إلى ما تقوله امرأته ويرسل والدته بعيداً عنه، بدلاً من أن يحتويها ويعتني بها بدوره بعد أن استبد بها العمر وأتعبها ضنك الحياة.
على الإنسان ألا ينسى فضل والديه عليه، وعلى الأخص أمه التي ذاقت الأمرّين في حمله وولادته، وسهرت الليالي ترعاه وتعتني به، حتى صار رجلاً. إن تلك التضحيات الكبيرة التي تبذلها الأم لجديرة بكل حب وامتنان. ولا يكون الامتنان لإنسانة بذلت في سبيلك أغلى ما تملك؛ وقتها وصحتها، إلا بالاهتمام بها ورعايتها عندما تكبر في العمر. رعتك صغيراً بكل ما تملك من قوة، وحان الوقت لترعاها بعد أن كبُرتْ.
لا ينبغي أن تكون هناك امرأة في الوجود قبل أمك. ينبغي أن تكون أمك المرأة الأولى في حياتك؛ بمعنى أن تكون راحتها وسعادتها فوق كل شيء، وقبل إرضاء زوجتك مهما كانت الظروف والأحوال والمبررات.
عندما قدّمتْ لك الرعاية لم تتذرع بأي مبررات لعدم فعل ذلك، بل أعطت كل ما لديها بكل حب ودون أي شرط. وما عليك سوى أن ترد جزءاً من فيض حنانها وعطاءاتها عندما تكبر، فترعاها وتعتني بها، دون أن تفكر للحظة واحدة بالتخلي عنها.