+ A
A -
هيثم القباني صحفي وباحث سياسي

كشفت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية عن حالة من الذهول بين المسؤولين الإسرائيليين إزاء ما وصفوه بـ«العمى» الغربي تجاه النظام الجديد في سوريا. هذه الصدمة لا تقتصر على الجانب الإسرائيلي وحده، بل تمتد إلى المتابعين العاديين، حيث شهدنا تهافتًا غير متوقع من الاتحاد الأوروبي نحو تقديم اعتراف ضمني بالقيادة الجديدة في سوريا. تجلى ذلك من خلال زيارات وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا إلى دمشق، ولقائهم أحمد الشرع، بل وانضمامهم إلى اجتماعات الرياض في 12 يناير الجاري.

هذا التحول المفاجئ يثير تساؤلات جوهرية حول الدوافع الحقيقية وراء هذا الدعم، خاصة في ظل الطبيعة الإسلاموية للنظام الجديد، التي تعدّ تقليديًا مصدر توتر في العلاقات مع الغرب.

فرض الواقع الجديد في سوريا نفسه بقوة على الساحتين الإقليمية والدولية. الموقع الاستراتيجي لسوريا، إلى جانب غياب بدائل واقعية لقيادة البلاد، جعل النظام الجديد خيارًا لا مفر منه. بعد الإطاحة بنظام الأسد الفاشي، ظهرت القيادة الجديدة كقوة موحدة تتمتع بدعم شعبي واسع، ما دفع الغرب إلى تبني تحول سياسي دراماتيكي للتعامل مع هذا الواقع الجديد.

سوريا الموحدة

أحد أبرز الدوافع الغربية لدعم النظام الجديد هو الحفاظ على وحدة سوريا. تفكك البلاد قد يؤدي إلى فوضى إقليمية واسعة النطاق، وهو ما سيزيد من موجات اللاجئين المتجهة إلى أوروبا، التي تعاني بالفعل من أزمة لجوء خانقة. الاتحاد الأوروبي، الذي يجد صعوبة في استيعاب مزيد من اللاجئين، يسعى بدلاً من ذلك إلى تقليص أعدادهم. من هنا، يُنظر إلى قدرة القيادة الجديدة على تحقيق الاستقرار وإدارة البلاد بفعالية تحت راية موحدة باعتبارها ضرورة ملحة لضمان استمرار الدعم الدولي.

السيطرة على التطرف

التعامل مع النظام الجديد في سوريا بوصفه حكومة شرعية، حتى وإن كانت ذات طابع إسلامي، يساهم في إدماجها ضمن النظام العالمي، مما يفرض عليها الالتزام بقواعد هذا النظام بدل أن تكون خارجه. هذا النهج يمنح المجتمع الدولي فرصة أكبر للتأثير على سياسات النظام وضمان استقراره.

بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا التعاون يحد من إمكانية ظهور حركات متطرفة جديدة تهدد الاستقرار، حيث سيحرص النظام الجديد على منع أي محاولات لزعزعة حكمه، ما يعزز من دوره كعامل استقرار داخلي وإقليمي، ويضعف في الوقت ذاته البيئة التي تغذي التطرف والإرهاب.

يرى الغرب أن سقوط نظام بشار الأسد يشكل ضربة قاسية لنفوذ روسيا في سوريا والمنطقة. فقد منح نظام الأسد موسكو امتيازات استراتيجية، أبرزها قاعدة حميميم الجوية العسكرية جنوب شرق مدينة اللاذقية، التي استخدمتها روسيا كنقطة انطلاق لإرسال المرتزقة والمعدات إلى مناطق نزاع مثل أوكرانيا، ليبيا، إفريقيا الوسطى، والسودان. هذا الدعم اللوجستي الروسي أسهم في تقليص النفوذ الغربي في هذه المناطق الحساسة.

إضافة إلى ذلك، فإن إضعاف الحليف الإيراني لروسيا، العدو الأول لثوار سوريا، يعد مكسبًا مزدوجًا للغرب. فمن جهة، يساهم في تقليص نفوذ موسكو في المنطقة، ومن جهة أخرى يحمل فوائد مباشرة لإسرائيل، الحليف الأساسي للغرب. خلال فترة حكم الأسد، تحولت سوريا إلى قاعدة استراتيجية لإيران ووكلائها مثل حزب الله، مما مثل تهديدًا مستمرًا لأمن إسرائيل. ومع ضعف النفوذ الإيراني في ظل القيادة الجديدة، أصبحت إسرائيل قادرة على التقاط الأنفاس وإعادة تقييم استراتيجياتها الأمنية دون التهديد المباشر الذي كانت تشكله التحالفات السابقة بين دمشق وطهران وموسكو.

من بين العوامل الرئيسية وراء الدعم الغربي للنظام الجديد في سوريا هو الأبعاد الاقتصادية، وتحديدًا الغاز الطبيعي، حيث يتيح هذا التطور فرصة لإنشاء مسارات جديدة لنقل الطاقة من الخليج العربي عبر سوريا وتركيا إلى أوروبا، مما يقلل من اعتماد الاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا، على الغاز الروسي.

سابقًا، كان نظام الأسد يشكل عائقًا أمام هذه المشاريع بسبب تحالفه الوثيق مع موسكو، التي كانت تستخدم الغاز كورقة ضغط ضد أوروبا في سياق دعمها لأوكرانيا. ومع تراجع النفوذ الروسي في سوريا، يصبح الطريق ممهّدًا لإحياء هذه المشاريع الحيوية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن استقرار الوضع في سوريا سيوفر فرصًا كبيرة أمام الشركات الغربية للمساهمة في عمليات إعادة الإعمار والبنية التحتية التي دمرتها الحرب الأهلية على مدار سنوات. ووفقًا لتقديرات البنك الدولي، فإن التكلفة المتوقعة لإعادة الإعمار تتجاوز 400 مليار دولار، مما يشكل فرصة استثمارية ضخمة تعود بالنفع على هذه الشركات على المدى البعيد، خاصة في قطاعات مثل البناء، الطاقة، والخدمات الأساسية.

إن الدعم الغربي للنظام الجديد في سوريا يتجاوز كونه تحولًا استراتيجيًا مفاجئًا ليعكس ضرورات واقعية تمليها تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي. فالغرب يرى في هذا الدعم وسيلة للحفاظ على وحدة سوريا ومنع تفككها، مما قد يؤدي إلى فوضى إقليمية وأزمة لجوء جديدة. كما يُعد إدماج النظام الجديد في النظام العالمي فرصة لتقويض التطرف وتعزيز الاستقرار الداخلي والإقليمي.

علاوة على ذلك، فإن تراجع نفوذ روسيا وإيران في سوريا يوفر للغرب مكاسب استراتيجية، سواء من خلال إضعاف أعدائه أو تعزيز مصالح حلفائه كإسرائيل. ولا تغيب الأبعاد الاقتصادية عن هذا المشهد، حيث يفتح استقرار سوريا الباب أمام مشاريع ضخمة لنقل الطاقة وإعادة الإعمار، ما يضمن مصالح اقتصادية طويلة الأجل للدول الغربية.

في النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى استدامة هذا الدعم، خاصة إذا واجه النظام الجديد تحديات داخلية قد تعرقل تحقيق التوازن بين تطلعات الشعب السوري والمصالح الدولية.

copy short url   نسخ
15/01/2025
0