مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةقبل بضع سنوات وفي مجلس فكري جمع مثقفين عربا وأتراكا في إسطنبول، دار حديثنا عن أين موقف الوعي الإسلامي الجديد، وتحديداً التوجه النهضوي ومفاهيمه الإنسانية، من أسئلة العصر التي تعصف بالشباب، ومن مفهوم المجتمع والحياة المدنية، ومن الموقف بين الدولة المدنية، والأممية الإسلامية، ولم تعد هذه الأسئلة قائمة على الموقف السياسي فقط، بل تتجاوزه للعقيدة الشخصية للفرد.
ولقد شاركَنا مجدداً في مجلس ثقافي خلال زيارتي الأخيرة لإسطنبول، الصديق العزيز توران كيشلاكجي، وهو من أبرز المثقفين الأتراك المهتمين على الانفتاح التركي على الشرق، والانفتاح الإسلامي على الحوار الإنساني الأخلاقي، وشعرنا ونحن نعود للقاء في عام 2021، بعودة سؤال 2015 من جديد، ولكن مع تعاظم الأزمة.
هذه الأزمة خلقها الانحراف المتجدد في خطاب بعض الإسلاميين، لكنهم يؤثّرون على ساحة واسعة من الشباب، عبر العودة إلى الصراع التراثي أو التاريخي، وربط الأزمات السياسية والاجتماعية وكوارث سياسات الدول بالضرورة، بمفهوم تصنيف عقدي ديني محدد.
في حين كان تاريخ المسلمين يعج بإشكالية صراعات شرسة، استُخدم فيها الدين كأداة للصراع، ولا علاقة به مع الإسلام الحقيقي، لا في الجانب المعرفي، ولا في آفاق النهضة، ولا في إصلاح ضمير الفرد أخلاقياً مع كل إنسان، ولا في رؤية الوجود والخلق بين المعرفة الإسلامية، والإلحاد العدمي.
فاستُدعي الصراع من جديد، منذ أزمة ألفِرق والمذاهب التي تداخلت، مع المواقف السياسية للمستبد القديم، وقُطع الطريق على الإحياء الإسلامي، الذي لم نعُد اليوم ملزمين برؤاه في مطلع القرن الماضي، وإنما نحن بحاجة ضرورية، لبناءٍ مستقل يحافظ على جوهر الفكرة الأخلاقية والمعرفية والتشريع المقاصدي للإسلام، ويعبر لهذا العالم الجديد، لتحرير مسألة الأخلاق والمجتمع، والدولة والحقوق، وينقذ الشباب من مأساة الفراغ الوجودي، الذي يعززه رحلة عذابهم المعيشي النفسي تحت المستبد الجديد.
والعودة إلى العلاقة مع تركيا اليوم في الجدل الثقافي له تأثيره أيضاً في الوطن العربي، في ظل تطورات السياسة العاصفة والمتقلبة، التي لا يُمكن أن يستوعبها هذا المقال، لكنني أختصر الموقف، في خطأ الإسلاميين، في التعامل مع تركيا الحديثة بمفهوم الدولة الأممية الراعية، واستدعاء عثمانية تقديس جديدة تؤسس عليها، رغم أن أصول الدولة الحديثة، وجذورها الفكرية عميقة جداً مع القومية التركية، ومشتبكة مع الحالة العلمانية، باتجاهيها المدني الإيجابي والراديكالي السلبي.
وأن فهم مواقف تركيا الحديثة ليس لتبرير أخطائها ولا تزكيتها، وإنما لوضع قاعدة مهمة في فهم سياساتها، وهو ما يصطدم به الإسلاميون اليوم، فهم يكتشفون مجدداً أن تركيا الحديثة هي تركيا الجمهورية القومية، لا الأممية مع المسلمين، وإن تعززت صورتها الإسلامية اليوم، منذ موقف مؤسس الدولة الحديثة، كمال الدين اتاتورك.
ولو كان هذا البعد حاضراً في رحلة الإسلاميين العرب مع الأتراك، لكان فهم هذه السياسة وتقلباتها أفضل إطار للتعاطي مع المشكلة، ولبناء تحالف موضوعي حذر لوحدة الفكرة الإسلامية وقضايا المسلمين، تُقنن بحجم الممكن، ولا تغرق في الأوهام والمدائح ولا يترتب عليها مراهنات خطيرة، نخشى من تأثيرها اليوم على البعد الإنساني للمحرومين والمضطرين، الذين تحصرهم هذه التقاطعات السياسية الشرسة.
لقد كان لا بد من توضيح هذا الاشتباك اليوم، لكي نعزل الفكرة الإسلامية المستقلة عن التجاذب السياسي الشرس في الشرق، والذي يُسقط أي فكرة حرة، ويقطع طريقها عن الشباب الذين هم في أمس الحاجة، لغذاء الروح وحقيبة الحقوق المعيشية، الأمن والمسكن والغذاء والحرية السياسية والفكرية، حيث تؤثّر عواصف المعاناة والأزمات على نفسية الفرد المكافح لأجل لقمته.
من هنا يعود السياق لأهمية البناء الفكري التجديدي، وعدم قيام هذا البناء في صورة مشروع نهضة فكرية متماسك، لا يعني أن الساحة فارغة، كلا..
فهناك جدل وتحريرات وكتب ومنصات ومنابر، فضلاً عن صفحات السوشيال ميديا معبأة بالعطاء الثقافي والجدل الفكري، غير أن ما نحتاجه اليوم، هو تنظيم الأسئلة الفكرية الكبرى في حياة الشباب العربي، ووضعها في إطار مفهوم متماسك، يفهم أزمة العصر.
ويدرك المدار الإنساني للرؤية الكونية للمعرفة الإسلامية، التي تنقذه كفرد وتؤسس لبنية نهضة للأوطان العربية والشرقية، وتعالج أزمات التيه السياسي أو العاطفة المحمومة وتهذبها، وتطلق علاقة عدالة إنسانية، تخرج من رأسمالية العالم الحديث، إلى العالم الأخلاقي المؤمل حيث كان المسلم وحيث كان الإنسان.
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةقبل بضع سنوات وفي مجلس فكري جمع مثقفين عربا وأتراكا في إسطنبول، دار حديثنا عن أين موقف الوعي الإسلامي الجديد، وتحديداً التوجه النهضوي ومفاهيمه الإنسانية، من أسئلة العصر التي تعصف بالشباب، ومن مفهوم المجتمع والحياة المدنية، ومن الموقف بين الدولة المدنية، والأممية الإسلامية، ولم تعد هذه الأسئلة قائمة على الموقف السياسي فقط، بل تتجاوزه للعقيدة الشخصية للفرد.
ولقد شاركَنا مجدداً في مجلس ثقافي خلال زيارتي الأخيرة لإسطنبول، الصديق العزيز توران كيشلاكجي، وهو من أبرز المثقفين الأتراك المهتمين على الانفتاح التركي على الشرق، والانفتاح الإسلامي على الحوار الإنساني الأخلاقي، وشعرنا ونحن نعود للقاء في عام 2021، بعودة سؤال 2015 من جديد، ولكن مع تعاظم الأزمة.
هذه الأزمة خلقها الانحراف المتجدد في خطاب بعض الإسلاميين، لكنهم يؤثّرون على ساحة واسعة من الشباب، عبر العودة إلى الصراع التراثي أو التاريخي، وربط الأزمات السياسية والاجتماعية وكوارث سياسات الدول بالضرورة، بمفهوم تصنيف عقدي ديني محدد.
في حين كان تاريخ المسلمين يعج بإشكالية صراعات شرسة، استُخدم فيها الدين كأداة للصراع، ولا علاقة به مع الإسلام الحقيقي، لا في الجانب المعرفي، ولا في آفاق النهضة، ولا في إصلاح ضمير الفرد أخلاقياً مع كل إنسان، ولا في رؤية الوجود والخلق بين المعرفة الإسلامية، والإلحاد العدمي.
فاستُدعي الصراع من جديد، منذ أزمة ألفِرق والمذاهب التي تداخلت، مع المواقف السياسية للمستبد القديم، وقُطع الطريق على الإحياء الإسلامي، الذي لم نعُد اليوم ملزمين برؤاه في مطلع القرن الماضي، وإنما نحن بحاجة ضرورية، لبناءٍ مستقل يحافظ على جوهر الفكرة الأخلاقية والمعرفية والتشريع المقاصدي للإسلام، ويعبر لهذا العالم الجديد، لتحرير مسألة الأخلاق والمجتمع، والدولة والحقوق، وينقذ الشباب من مأساة الفراغ الوجودي، الذي يعززه رحلة عذابهم المعيشي النفسي تحت المستبد الجديد.
والعودة إلى العلاقة مع تركيا اليوم في الجدل الثقافي له تأثيره أيضاً في الوطن العربي، في ظل تطورات السياسة العاصفة والمتقلبة، التي لا يُمكن أن يستوعبها هذا المقال، لكنني أختصر الموقف، في خطأ الإسلاميين، في التعامل مع تركيا الحديثة بمفهوم الدولة الأممية الراعية، واستدعاء عثمانية تقديس جديدة تؤسس عليها، رغم أن أصول الدولة الحديثة، وجذورها الفكرية عميقة جداً مع القومية التركية، ومشتبكة مع الحالة العلمانية، باتجاهيها المدني الإيجابي والراديكالي السلبي.
وأن فهم مواقف تركيا الحديثة ليس لتبرير أخطائها ولا تزكيتها، وإنما لوضع قاعدة مهمة في فهم سياساتها، وهو ما يصطدم به الإسلاميون اليوم، فهم يكتشفون مجدداً أن تركيا الحديثة هي تركيا الجمهورية القومية، لا الأممية مع المسلمين، وإن تعززت صورتها الإسلامية اليوم، منذ موقف مؤسس الدولة الحديثة، كمال الدين اتاتورك.
ولو كان هذا البعد حاضراً في رحلة الإسلاميين العرب مع الأتراك، لكان فهم هذه السياسة وتقلباتها أفضل إطار للتعاطي مع المشكلة، ولبناء تحالف موضوعي حذر لوحدة الفكرة الإسلامية وقضايا المسلمين، تُقنن بحجم الممكن، ولا تغرق في الأوهام والمدائح ولا يترتب عليها مراهنات خطيرة، نخشى من تأثيرها اليوم على البعد الإنساني للمحرومين والمضطرين، الذين تحصرهم هذه التقاطعات السياسية الشرسة.
لقد كان لا بد من توضيح هذا الاشتباك اليوم، لكي نعزل الفكرة الإسلامية المستقلة عن التجاذب السياسي الشرس في الشرق، والذي يُسقط أي فكرة حرة، ويقطع طريقها عن الشباب الذين هم في أمس الحاجة، لغذاء الروح وحقيبة الحقوق المعيشية، الأمن والمسكن والغذاء والحرية السياسية والفكرية، حيث تؤثّر عواصف المعاناة والأزمات على نفسية الفرد المكافح لأجل لقمته.
من هنا يعود السياق لأهمية البناء الفكري التجديدي، وعدم قيام هذا البناء في صورة مشروع نهضة فكرية متماسك، لا يعني أن الساحة فارغة، كلا..
فهناك جدل وتحريرات وكتب ومنصات ومنابر، فضلاً عن صفحات السوشيال ميديا معبأة بالعطاء الثقافي والجدل الفكري، غير أن ما نحتاجه اليوم، هو تنظيم الأسئلة الفكرية الكبرى في حياة الشباب العربي، ووضعها في إطار مفهوم متماسك، يفهم أزمة العصر.
ويدرك المدار الإنساني للرؤية الكونية للمعرفة الإسلامية، التي تنقذه كفرد وتؤسس لبنية نهضة للأوطان العربية والشرقية، وتعالج أزمات التيه السياسي أو العاطفة المحمومة وتهذبها، وتطلق علاقة عدالة إنسانية، تخرج من رأسمالية العالم الحديث، إلى العالم الأخلاقي المؤمل حيث كان المسلم وحيث كان الإنسان.