مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةتتكثف اليوم مسارات عديدة تتسابق في تحقيق وقف حرب اليمن، كمصطلح أدق من المصالحة أو الحل السياسي، وهو حل يعتمد على تغير موازين المعركة وكسب الجمهورية الإيرانية للجولة الحالية، ورغبة المحور الدولي الأوروبي الأميركي في طي هذه الصفحة تفرغاً لملفات أخطر.
وخاصة الفزع الغربي المتعاظم من زحف التنين الصيني، الذي لا يقرع الأبواب وحسب، بل يجتاح مواقع النفوذ التاريخية في الشرق الأوسط لواشنطن، ويقترب عبر باكستان وإيران من الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأميركية في الخليج العربي.
ويجب أخذ الاعتبار هنا، بأن اندفاع الصين لمواجهات عسكرية في مناطق الغرب غير مرجّح، ونموذج تعاملها مع نظام الرئيس البشير في السودان يُدلل على ذلك، والفرق مع المساحة التي تعتمدها لمد نفوذها دون التقدم نحو عمل عسكري، أو الاقتراب منه كما هو في تايوان وهونج كونج، والحدود الهندية الصينية.
لكن الفشل الغربي الواسع الذي ظهر عجزه في أزمة الخليج، ولا تزال تتمسك به دول المجلس رغم فشله، يعزز قوة التوازن الصيني، الذي قد ينفرد أو يتحد مع موسكو، لكن الأخيرة في لعبة الأمم أعجز من بكين، في حماية ذاتها القومية لصالح مشروع القيصر الجديد للرئيس بوتين.
ولذلك فإن الروس يحتاجون اليوم لسلة توافق دولية وتهيئة إقليمية، للحفاظ على نفوذهم في دمشق, وهو نفوذ معقد في علاقته مع شريك التدخل الثاني في سوريا وهي إيران، ولعل أنقرة اليوم أكثر قدرة على المناورة بعد اتفاق اطراف سوتشي، والتحييد النسبي المهم للملف الكردي في العراق وفي سوريا.
هذه المساحة شجعت أنقرة على المضي قدماً، في تقديم تنازلات لا تؤثر على مصالحها القومية، للخصوم الإقليميين تعجل في صفقات التطبيع، والتي أُعلنت مع مصر، وهي تعمل اليوم مع السعوديين وتتقدم مفاوضاتها، رغم كل الملاسنات القائمة في الإعلام الرسمي وغير الرسمي.
وفي حين تراهن طهران على نجاحها في بعث رسالة قوية لحكومة بايدن، بأنه لا خيار دون الاتفاق نووياً ثم فتح الآفاق مجدداً.
والغرب مجملاً يتعامل مع قوة البسط حتى ولو كان متوحشاً، بغض النظر عن الخطابية الحقوقية والأنسنة المضللة.
فلولم يكن هناك ضوء أخضر لموسكو أكده الرئيس أوباما بنفسه، وعُرض في الأفلام الوثائقية عن مذكراته، لم تتمكن موسكو من السحق العنيف للثورة السورية، ولكن معركتها اليوم في الحاجة الاضطرارية لتبديل الأسد، ليس لأجل المعارضة، ولكن لتحقيق مساحة أكثر استقراراً لمصالحها.
أما ما يجمع الأنظمة في الشرق الأوسط، فهو العبور من موسم خطاب بايدن الحقوقي وبعض الضغوط، إلى الاعتراف بهم من جديد كحلفاء، وعليه تُستأنف دورة العلاقة بين المركز والأطراف بنفس القاعدة القديمة، النفوذ وتدفق المصالح بين النفط والقواعد الجيوسياسية، والمصالح الأخرى، مقابل التغاضي عن الملفات الحقوقية، وتركها لجدل غرف الكونغرس والاعلام الأميركي.
ولسنا هنا نجزم بعدم التغير الأميركي النسبي، لكن غضب الكونغرس وحده لا يكفي، لتغيير قواعد التعامل مركزياً بين البيت الأبيض وعذه الأنظمة في الشرق الأوسط.
ولذلك فظرف اليمن صعب جداً، خاصة في قناعة طرف داعمي الشرعية، بأن لحظة الخروج من الحرب أياً كان تكلفتها ضرورية, وما نخشى منه ليس وقوف الحرب، الذي هو ضرورة لكي يتنفس الإنسان اليمني ويقف نزفه، ولكن في كارثة نزع الشرعية عن اليمن بذاته، وليس عن الرئيس هادي.
وفتح الأبواب لحالة هشة، تُفجّر حروباً مستقبلية, تعكسها طبيعة القوة القبلية في اليمن والانقسامات المتعددة، وآثار كارثة الحوثيين والحرب السابقة، كما أن حسم الحكم الطائفي على اليمن، سيكون له ارتدادات خطيرة جداً على كل دول الخليج.
فكُرة الثلج التي تكبر لن ترحم أحداً، ولعبة الأمم لا يُمكن لدول الخليج أن تكون طرفا فيها، وكل ما في الأمر أن تنجح في انزواء مؤقت حتى تعبر الريح العاتية.
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةتتكثف اليوم مسارات عديدة تتسابق في تحقيق وقف حرب اليمن، كمصطلح أدق من المصالحة أو الحل السياسي، وهو حل يعتمد على تغير موازين المعركة وكسب الجمهورية الإيرانية للجولة الحالية، ورغبة المحور الدولي الأوروبي الأميركي في طي هذه الصفحة تفرغاً لملفات أخطر.
وخاصة الفزع الغربي المتعاظم من زحف التنين الصيني، الذي لا يقرع الأبواب وحسب، بل يجتاح مواقع النفوذ التاريخية في الشرق الأوسط لواشنطن، ويقترب عبر باكستان وإيران من الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأميركية في الخليج العربي.
ويجب أخذ الاعتبار هنا، بأن اندفاع الصين لمواجهات عسكرية في مناطق الغرب غير مرجّح، ونموذج تعاملها مع نظام الرئيس البشير في السودان يُدلل على ذلك، والفرق مع المساحة التي تعتمدها لمد نفوذها دون التقدم نحو عمل عسكري، أو الاقتراب منه كما هو في تايوان وهونج كونج، والحدود الهندية الصينية.
لكن الفشل الغربي الواسع الذي ظهر عجزه في أزمة الخليج، ولا تزال تتمسك به دول المجلس رغم فشله، يعزز قوة التوازن الصيني، الذي قد ينفرد أو يتحد مع موسكو، لكن الأخيرة في لعبة الأمم أعجز من بكين، في حماية ذاتها القومية لصالح مشروع القيصر الجديد للرئيس بوتين.
ولذلك فإن الروس يحتاجون اليوم لسلة توافق دولية وتهيئة إقليمية، للحفاظ على نفوذهم في دمشق, وهو نفوذ معقد في علاقته مع شريك التدخل الثاني في سوريا وهي إيران، ولعل أنقرة اليوم أكثر قدرة على المناورة بعد اتفاق اطراف سوتشي، والتحييد النسبي المهم للملف الكردي في العراق وفي سوريا.
هذه المساحة شجعت أنقرة على المضي قدماً، في تقديم تنازلات لا تؤثر على مصالحها القومية، للخصوم الإقليميين تعجل في صفقات التطبيع، والتي أُعلنت مع مصر، وهي تعمل اليوم مع السعوديين وتتقدم مفاوضاتها، رغم كل الملاسنات القائمة في الإعلام الرسمي وغير الرسمي.
وفي حين تراهن طهران على نجاحها في بعث رسالة قوية لحكومة بايدن، بأنه لا خيار دون الاتفاق نووياً ثم فتح الآفاق مجدداً.
والغرب مجملاً يتعامل مع قوة البسط حتى ولو كان متوحشاً، بغض النظر عن الخطابية الحقوقية والأنسنة المضللة.
فلولم يكن هناك ضوء أخضر لموسكو أكده الرئيس أوباما بنفسه، وعُرض في الأفلام الوثائقية عن مذكراته، لم تتمكن موسكو من السحق العنيف للثورة السورية، ولكن معركتها اليوم في الحاجة الاضطرارية لتبديل الأسد، ليس لأجل المعارضة، ولكن لتحقيق مساحة أكثر استقراراً لمصالحها.
أما ما يجمع الأنظمة في الشرق الأوسط، فهو العبور من موسم خطاب بايدن الحقوقي وبعض الضغوط، إلى الاعتراف بهم من جديد كحلفاء، وعليه تُستأنف دورة العلاقة بين المركز والأطراف بنفس القاعدة القديمة، النفوذ وتدفق المصالح بين النفط والقواعد الجيوسياسية، والمصالح الأخرى، مقابل التغاضي عن الملفات الحقوقية، وتركها لجدل غرف الكونغرس والاعلام الأميركي.
ولسنا هنا نجزم بعدم التغير الأميركي النسبي، لكن غضب الكونغرس وحده لا يكفي، لتغيير قواعد التعامل مركزياً بين البيت الأبيض وعذه الأنظمة في الشرق الأوسط.
ولذلك فظرف اليمن صعب جداً، خاصة في قناعة طرف داعمي الشرعية، بأن لحظة الخروج من الحرب أياً كان تكلفتها ضرورية, وما نخشى منه ليس وقوف الحرب، الذي هو ضرورة لكي يتنفس الإنسان اليمني ويقف نزفه، ولكن في كارثة نزع الشرعية عن اليمن بذاته، وليس عن الرئيس هادي.
وفتح الأبواب لحالة هشة، تُفجّر حروباً مستقبلية, تعكسها طبيعة القوة القبلية في اليمن والانقسامات المتعددة، وآثار كارثة الحوثيين والحرب السابقة، كما أن حسم الحكم الطائفي على اليمن، سيكون له ارتدادات خطيرة جداً على كل دول الخليج.
فكُرة الثلج التي تكبر لن ترحم أحداً، ولعبة الأمم لا يُمكن لدول الخليج أن تكون طرفا فيها، وكل ما في الأمر أن تنجح في انزواء مؤقت حتى تعبر الريح العاتية.