+ A
A -
بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمشي ذات يومٍ في جماعةٍ من أصحابه، إذ رأى بنتاً صغيرة في السوق يطرحها الريح من ضعفها!
فقال: يا بُؤس هذا، من يعرفُ هذه؟
فقال له ابنه عبد الله: أما تعرفها؟ هذه إحدى بناتك!
فقال عمر: وأيُّ بناتي؟
فقال له: بنتُ عبد الله بن عمر. أي هي ابنته
فقال عمر: فما بلغَ بها الذي أرى؟
فقال عبد الله: إمساككَ ما عندك!
فقال عمر: وهل إمساكي ما عندي يمنعكَ أن تطلب لبناتكَ ما يطلبُ النَّاس؟ أما واللهِ ما لكَ عندي إلا سهمكَ من المسلمين، وسِعَكَ أو عجزَ عنكَ، وبيني وبينكَ كتاب الله!
تأسَّف عمر بن الخطاب لحال البنت الصغيرة لما رأى فيها من ضعف البنية حتى إذا هبَّت الريح أوقعتها، فسأل عنها، فإذا هي حفيدته، ابنة ابنه عبد الله، فسأله عن السبب، فأخبره أنه لا مال لديه لأنه لا يعطيه، فوبَّخه وأخبره وأنه وإن لم يعطِه فهذا ليس عذراً له أن يقعد عن العمل ولا يسعى في تحصيل رزق أولاده كما يفعل الناس، ثم أخبره أنه كغيره من المسلمين، ليس له إلا سهم واحد، ولن يعطيه أكثر!
يا لهذا الدِّين، ويا لعمر بن الخطاب، حفيدة الخليفة لا تَكاد تسند طولها من الجوع، ثم يقول لابنه: لا أعطيك أكثر مما أعطي المسلمين!
وعن توبيخ عمر بن الخطاب لابنه لقعوده عن تحصيل رزق عياله استقاه من الهدي النبوي الشريف، فقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه: كفى بالمرء إثماً أن يُضيِّعَ من يقوت/ يُطعِم!
وتضييع من يقوت قد كثُر هذه الأيام وله في البيوت عدة وجوه:
فترى من الرجال من يتذرَّع بأنه لا يوجد عمل، ويجلس في بيته عاطلاً، وتبلغ به الحاجة أن يشتهي أهله النفقة! صحيح أن الدنيا تضيقُ أحياناً، وان الأعمال قليلة، ولكن الصحيح أيضاً أن من أراد ان يُحصِّل الرزق فتحَ الله له أبوابه، ولكن الناس يريدون مهناً على مزاجهم وإلا قعدوا في البيوت يشكون أنه لا يوجد عمل!
وترى الرجل معه المال، ولكنه لا يُنفِقُ على أهله لبخله، فلا يغادر الدرهم جيبه إلا بمشقة كما تُغادر الروح الجسد، وهو أسوأ الناس، لأنه يعيش عيش الفقراء، ويُحاسب حساب الأغنياء!
وترى الرجل إذا عملتْ زوجته في وظيفة، أراد أن يأخذ منها كلَّ راتبها، فإن هي امتنعتْ أن تُعطيه إياه، توقَّف هو عن الإنفاق على بيته نكايةً بها!
صحيح أنّ البيوت إنما تُدار بالمعروف لا بالقانون، وأن الزوجة مأجورة في مشاركة زوجها في النفقة، وأن خروجها من البيت إنما هو على حساب أولادها وزوجها ولا بأس أن تعوَّض هذا الغياب بشيءٍ من النفقة. ولكن هذا لا يُلغي حقيقة أن الإنفاق على الأسرة هو واجب الزوج، وأن راتب الزوجة لها ولا يحقُّ له أن يأخذ منه بغير رضاها!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
01/04/2021
2324