+ A
A -
مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةأكره أن أكرر الحديث عن قضية ميشيل فوكو، التي وثقها المفكر الفرنسي غي سورمان عبر مقالة ماثيو كامبيل في التايمز البريطانية، غير أني لا أهدف لإعادة القصة، وإنما للوصول إلى جوهر السؤال المهم، لحياة الشباب العربي الجديد وقلقهم المتفاقم، الذي يدفع بهم إلى حالة صراع مع الذات، ينتهي إلى فقدان السلام الداخلي، وفقدان الحياة المطمئنة وليس فرص النجاح فقط.
ملخص ما جاء في مقالة ماثيو كامبل هو موقف سورمان الغاضب، وشعور تأنيب الضمير لحجبه الجريمة طوال هذا الزمن، بأن فوكو كان يبتز الأطفال في تونس لممارسات غير أخلاقية، في مشاعر لم يقفز ضميرها الأخلاقي إلا اليوم، لكون وكما عبر أحد المعلقين، بأن فوكو بات إلهاً منذ زمن عند الفرنسيين وغيرهم من معتقدي فلسفته، وبالتالي سيُشكك في شهادة سورمان.
سأخرج معكم كلياً عن شهادة سورمان، وأشير إلى أن خلاصات مذهب فوكو الأخير، التي تُمثّل أحد أهم الأساسيات لحركة الجندر الإلحادي اليوم، كانت موثّقة في نشاطه الأخير وهي مركز فكرته في تاريخ الجنسانية:
اجتثاث البعد الأخلاقي في القيم المشتركة للإنسانية، والانتهاء إلى أن النزوة هي الحاكمة على تصرفات الفرد.
وشاهد الأمر هنا خضوع هذه الفلسفة إلى احتشاد النزوة الشاذة، الموثقة في سيرة فوكو منذ عقود، وتأثيرها على قلم المفكر، في حين تُقدّم النظرية ككليات لما بعد الحداثة، وهي في الحقيقة في ذات سياق الحداثة المادية الغربية، وتطويرها السلبي قائم على حياة الأفراد والمجتمعات.
وبالطبع غنيٌ عن الذكر لو أن أحداً من العالم الجنوبي يشار له بالفكر، ولو لم يكن مسلماً تبني هذا الموقف، ودعا قبل موته كما فعل فوكو لتشريع السادية مع الأطفال لربما رُجمَ كمجرم حرب، حتى لو لم تُنشر عنه حادثة كقضية فوكو في تونس، هنا مدخل سؤال مهم أمام الشباب:
ماهي معايير تقييم كليات الفلسفة المعاصرة، أين نقف منها من اتجاهاتها المتعددة، ومن خلاصاتها.
كيف يُعتبر الدين نصوصاً خاضعة للنقد، وفلسفة الحداثة الغربية التي تشمل هامش ما يسمى ما بعد الحداثة، نصاً مقدسا يعطى مفكريه منزلة الآلهة؟
كشاب يعيش لحظات الصراع أو التساؤل كيف أقيّم هذا الأمر المهم لحياتي الفردية، التي ستطوى عن هذا العالم، أليس علي أن أُعمل العقل، ومع العقل هل هناك فارق مهم في تاريخ العالم الجديد والقديم، ما هو هذا الفارق؟
هذا الفارق هو قاعدة تساعدك في تشكل هذه الرؤية، العقل والروح والجوهر الأخلاقي، حينها أعد قراءة الرؤى والمشهد الجدلي لحوارات اليوم العاصفة، وقبل ذلك المذاهب التي تفرض عليك أو تعبر في حياتك.
ثم لاحظ بأن هذه المذاهب كما أن هناك منها ما هو يتشكل باسم الدين ويروجه مستبد، هناك مذهب فلسفي محصن بالقوة الغربية، القوة التي حذر من مرجعيتها فوكو نفسه، في تساؤله القديم، لكنهُ خضع لمنتجاتها في ذات الخطابية الغربية.
لماذا؟ لأن فوكو لم يستطع ولم يحاول أن يفهم مسألة الروح، فلم يتعايش مع حضور هذه الروح في ذاته وشخصه، لينفتح من ضيق الحداثة المادية إلى سعة المعرفة الإنسانية، التي تقوم على معيار مدلل باليقين، وهو أن هناك روحا وإنسانا أخلاقيا لا جسدا يخضع لثنائية الإشباع.
وأن تنظيم علاقة الإنسان بذاته وبالعالم من حوله وشركاء الرحلة الإنسانية، مرتبط بهذه الثلاثية الأخلاق التي يبعثها الضمير الروحي، والعقل الذي يتأمل دلالة الخلق، والقيم التي تجتمع عليها الإنسانية وتتبادل عبرها ما يُسعد مشاركتها في هذا العالم، ولكنها مشاركة تشترط التمرد على معايير الاستعلاء التي مهدت لإبادة الحداثة. هنا نفهم لماذا فشل فوكو أخلاقياً رغم أنهُ دعا للتمرد على القوة، لأن قوة الحداثة ظلت تحكم تفكيره، حتى انتهى إلى نظريته الكارثية الأخيرة في حاكمية النزوة، وأهم دافع هو عدم اعترافه وغيره بالروح وأنها ليست تشكيل مادي مطلقاً، ولا تخضع دعوى تخلقها من مادة صدفة، لأي معيار علمي ولا تأملي فلسفي.
فنزع فوكو إلى أقصى التطرف، الذي كان مرتبطاً بسلوكه غير السوي، ليبرر ليس لسلوكه ولكن لنظرية يطلقها للعالم، وهنا بدلاً من مناقشة نظريته وفقاً لأصول فكرته ونزعته في حياته، تم تطويرها لهدم الأسرة في قيم التعاضد الأخلاقي والإنساني.
وللحديث بقية.
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةأكره أن أكرر الحديث عن قضية ميشيل فوكو، التي وثقها المفكر الفرنسي غي سورمان عبر مقالة ماثيو كامبيل في التايمز البريطانية، غير أني لا أهدف لإعادة القصة، وإنما للوصول إلى جوهر السؤال المهم، لحياة الشباب العربي الجديد وقلقهم المتفاقم، الذي يدفع بهم إلى حالة صراع مع الذات، ينتهي إلى فقدان السلام الداخلي، وفقدان الحياة المطمئنة وليس فرص النجاح فقط.
ملخص ما جاء في مقالة ماثيو كامبل هو موقف سورمان الغاضب، وشعور تأنيب الضمير لحجبه الجريمة طوال هذا الزمن، بأن فوكو كان يبتز الأطفال في تونس لممارسات غير أخلاقية، في مشاعر لم يقفز ضميرها الأخلاقي إلا اليوم، لكون وكما عبر أحد المعلقين، بأن فوكو بات إلهاً منذ زمن عند الفرنسيين وغيرهم من معتقدي فلسفته، وبالتالي سيُشكك في شهادة سورمان.
سأخرج معكم كلياً عن شهادة سورمان، وأشير إلى أن خلاصات مذهب فوكو الأخير، التي تُمثّل أحد أهم الأساسيات لحركة الجندر الإلحادي اليوم، كانت موثّقة في نشاطه الأخير وهي مركز فكرته في تاريخ الجنسانية:
اجتثاث البعد الأخلاقي في القيم المشتركة للإنسانية، والانتهاء إلى أن النزوة هي الحاكمة على تصرفات الفرد.
وشاهد الأمر هنا خضوع هذه الفلسفة إلى احتشاد النزوة الشاذة، الموثقة في سيرة فوكو منذ عقود، وتأثيرها على قلم المفكر، في حين تُقدّم النظرية ككليات لما بعد الحداثة، وهي في الحقيقة في ذات سياق الحداثة المادية الغربية، وتطويرها السلبي قائم على حياة الأفراد والمجتمعات.
وبالطبع غنيٌ عن الذكر لو أن أحداً من العالم الجنوبي يشار له بالفكر، ولو لم يكن مسلماً تبني هذا الموقف، ودعا قبل موته كما فعل فوكو لتشريع السادية مع الأطفال لربما رُجمَ كمجرم حرب، حتى لو لم تُنشر عنه حادثة كقضية فوكو في تونس، هنا مدخل سؤال مهم أمام الشباب:
ماهي معايير تقييم كليات الفلسفة المعاصرة، أين نقف منها من اتجاهاتها المتعددة، ومن خلاصاتها.
كيف يُعتبر الدين نصوصاً خاضعة للنقد، وفلسفة الحداثة الغربية التي تشمل هامش ما يسمى ما بعد الحداثة، نصاً مقدسا يعطى مفكريه منزلة الآلهة؟
كشاب يعيش لحظات الصراع أو التساؤل كيف أقيّم هذا الأمر المهم لحياتي الفردية، التي ستطوى عن هذا العالم، أليس علي أن أُعمل العقل، ومع العقل هل هناك فارق مهم في تاريخ العالم الجديد والقديم، ما هو هذا الفارق؟
هذا الفارق هو قاعدة تساعدك في تشكل هذه الرؤية، العقل والروح والجوهر الأخلاقي، حينها أعد قراءة الرؤى والمشهد الجدلي لحوارات اليوم العاصفة، وقبل ذلك المذاهب التي تفرض عليك أو تعبر في حياتك.
ثم لاحظ بأن هذه المذاهب كما أن هناك منها ما هو يتشكل باسم الدين ويروجه مستبد، هناك مذهب فلسفي محصن بالقوة الغربية، القوة التي حذر من مرجعيتها فوكو نفسه، في تساؤله القديم، لكنهُ خضع لمنتجاتها في ذات الخطابية الغربية.
لماذا؟ لأن فوكو لم يستطع ولم يحاول أن يفهم مسألة الروح، فلم يتعايش مع حضور هذه الروح في ذاته وشخصه، لينفتح من ضيق الحداثة المادية إلى سعة المعرفة الإنسانية، التي تقوم على معيار مدلل باليقين، وهو أن هناك روحا وإنسانا أخلاقيا لا جسدا يخضع لثنائية الإشباع.
وأن تنظيم علاقة الإنسان بذاته وبالعالم من حوله وشركاء الرحلة الإنسانية، مرتبط بهذه الثلاثية الأخلاق التي يبعثها الضمير الروحي، والعقل الذي يتأمل دلالة الخلق، والقيم التي تجتمع عليها الإنسانية وتتبادل عبرها ما يُسعد مشاركتها في هذا العالم، ولكنها مشاركة تشترط التمرد على معايير الاستعلاء التي مهدت لإبادة الحداثة. هنا نفهم لماذا فشل فوكو أخلاقياً رغم أنهُ دعا للتمرد على القوة، لأن قوة الحداثة ظلت تحكم تفكيره، حتى انتهى إلى نظريته الكارثية الأخيرة في حاكمية النزوة، وأهم دافع هو عدم اعترافه وغيره بالروح وأنها ليست تشكيل مادي مطلقاً، ولا تخضع دعوى تخلقها من مادة صدفة، لأي معيار علمي ولا تأملي فلسفي.
فنزع فوكو إلى أقصى التطرف، الذي كان مرتبطاً بسلوكه غير السوي، ليبرر ليس لسلوكه ولكن لنظرية يطلقها للعالم، وهنا بدلاً من مناقشة نظريته وفقاً لأصول فكرته ونزعته في حياته، تم تطويرها لهدم الأسرة في قيم التعاضد الأخلاقي والإنساني.
وللحديث بقية.