برزت شخصية القائد أحمد الشرع، بجاذبية حيوية للسوريين أولاً، وللعرب ثانياً، في أشواق الحرية المنتظرة، هذه المرة في فقه الدولة وليس فقه الثورة، في لقائه العفوي مع اليوتيوبر الفلسطيني الجميل جو حطاب، فما هي الرسالة؟
ولماذا نعيد ترتيب المخرج السوري، على دولة الحلم الجديد عبر رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، ألسنا نعيد تصدير مفهوم المستبد المطلق، ألا نستدعي مدخل الكارثة على سوريا وغيرها من بلدان العرب والمسلمين، بل حتى أوطان جنوب العالم الحزين؟
لماذا لا نكتب عن المؤتمر الوطني الجامع، وعن التصويت عبر الإرادة العامة للشعب، لتشريع كل مؤسسات الدولة السورية، من المجلس المحلي حتى المحكمة الدستورية، وهذه ضرورات في وقتها، بدلاً من تكرار العزف على قصة أحمد الشرع، وكأنما لا خلاص لسوريا إلا عبره؟
إنها أسئلة مشروعة، وحكايات الديمقراطية الحالمة، أو بعض ما نجحت فيه أوروبا إلى رواندا، على أرض الواقع اليوم، تؤكد شرعية هذا الحلم، فهل نعود اليوم إلى سياسة الفرد المنقذ؟
هناك مهددات للدولة السورية الحرة، ليس من خارجها وحسب، بل من داخلها، ولدي ميزان واحد في كل الأمور، وهو مقولة عمر بن عبد العزيز رداً على أحد ولاته، الذي احتج على توصيات عمر وتشديده على عدم الظلم، فقال لعمر إن القمع يُصلح الناس، فقال له عمر: كذبت! بل يُصلحهم العدل.
هنا نعود إلى المفاهيم التطبيقية التي يحلم بها الناس،، فالقضية ليست في المصطلح فحتى مجرم الحرب بشار الأسد، وغيره من مستبدين، تبجحوا بالديمقراطية وفُصّلت لمقاسهم المجرم، إن الأمر هنا متعلق بما توافق عليه الرأي العام في تلك الدول، أثر تحقيق المشاركة الشعبية للناس، وكفالة المرجع الدستوري لحقوقهم، وتوزيع حصتهم الوطنية، وفتح المنابر لتعبيرهم، ولا يختلف هنا المسلم وغير المسلم.
إنما الاختلاف في مرجعية القيم الإسلامية للحياة العامة، والفضائل الأخلاقية، وحمايتها قانونيا، وهي مسألة حين يُنظّمها الدستور المدني الإسلامي، ستجدها تَكفَل فضاءات ضخمة، من المشترك الإنساني، المبني على الفطرة، وسيجد المختلفون بينهم، مساحة تفاهم على بقية القانون الدستوري، لا تلغي اندماجهم الوطني، إذن الأمر في المشروع التنفيذي والمفاهيم التطبيقية!
وهنا مدخل قصة عبور سوريا، ولكن السؤال: كيف نصل إلى هذه القاعدة؟
إننا نعتقد أن المساحة التي أنجزت من خلال قيادة أحمد الشرع، مكنت الثورة من استلام مركز السلطة الرسمي، وإعلان سقوط هيكل الأسد، ثم قيام إدارة الدولة الانتقالية، الثاني: هو أن الشرع عَبَرَ بسوريا الجديدة، إلى تأمين المؤسسات العامة للدولة، ونقل سيادتها إلى الحكم الوطني، وهذا إنجازٌ كبير جدا.
ثالثاً: إن تحقيق النصر دون احتراب أهلي، مع الطوائف التي استثمر النظام في بعضٍ منها، لأكثر من 50 عاماً، رغم كل التجاوزات التي حصلت من بعض كوادر المجموعات المسلحة، المحسوبة على الحكومة الشرعية، أو على جماعات أخرى، هو إنجاز كبير أيضاً، وبعد تأمين ما يمكن تأمينه، من عجلة المعيشة الفورية، انطلق باهتمام إلى فتح جسور الدولة في المصالح الخارجية، حتى لو كان الأصل في بعضهم الشك.
هذا التوازن الذي حققه الشرع، ليس أموراً بسيطة ولا سهلة، ثم أضاف لهم حشد اللقاءات مع الجماعات الوطنية المتعددة، وبعث برسالة فارقة للمجتمع الكردي، لا يغير مضامينها تمرد قسد، فهي للمجتمع الكردي السوري قبل أي تنظيم سياسي، لو أحسن القائد مواصلة الإدارة الذكية للملف.
يهمني في سياسة الشرع، عمله الدؤوب على الأرض ومباشرة القضايا الكبرى، وتحييد الصغائر التي لا تنتهي، في صراعات أنصار الثورة، فكيف بخصومها أو المرتجفين منها.
لكن هذا التحييد لا يمكن أن يستمر وإلا انقلبت الأمور رأساً على عقب، المشكلة التي تواجه القائد أحمد الشرع، هي في حبس سلطته تحت العصبية العسكرية لهيئة تحرير الشام، وليس جيش سوريا الجديد، أو القوات المسلحة لدولة الثورة، وهذه مهمة صعبة، فهو هنا يخشى من ضعف هذه العصبية وانفراطها من حوله، وهذا يعالج حين يُعاد تعويم الهيئة، كقوة مسلحة للدولة مع بقية الفصائل بعد حل كل الفصائل، وهو ما باشره الشرع فعلاً، ولكن هناك تردد كبير في الخطة، وهي الخريطة التي تضمن، احتواء كل المهددات الأخرى.
إن دمج القوات المسلحة السورية تحت قيادة واحدة، لا يُشترط فيه ضم كل المناطق ولا كل الفصائل اليوم، ولكن البنية الأساسية ستقوم على الغالبية منهم، وهي بذاتها ستكون قوة ضاربة لصالح الدولة، وهذا يقتضي أن يُقرّب الشرع بقية القيادات، كما أن إعلان العقيدة القتالية للقوات المسلحة، وارجاع الأمور إلى منهج أهل السنة ومقاصد الإسلام العليا، بدلاً من مفاهيم الجماعة المذهبية السلفية أو الخلفية، وتنظيم خطاب القوى الأمنية وأبياتها في إطار وطني، سيعالج هذه المشكلة الكبيرة، ذات الجذور القديمة في المشرق العربي، وتستقر قوة الدولة، ودون التأمين الإستراتيجي للدولة، لن يستقر تداول السلطة.