يقول عمر بن الخطاب: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعطيني العطاءَ فأقول: أعطِهِ من هو أفقر مني!
فقال لي: إذا جاءكَ من هذا المال شيءٌ وأنتَ غير مشرفٍ/ متطلعٍ له، ولا سائل/ طالب فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك!
يا لعزة نفس عمر، يأتيه المال إلى بابه دون أن يطلبه، فيقول للنبي صلى الله عليه وسلم أعطِهِ من هو أفقر مني!
لا يكتفي بأنه لا يزاحم الفقير والمسكين في الأعطيات، وإنما يفضلهم على نفسه ضارباً مثلاً رائعاً في التكافل الاجتماعي والإحساس بالآخرين!
ولقد ابتلينا هذه الأيام بأُناسٍ تريدُ أن تأكل الدنيا وما فيها رغم عدم حاجتها، وسبب هذا أن الجوع الحقيقي في النفس لا في المعدة!
تجد الفقير المعدم إذا ما وَزَعتْ جهة ما على الفقراء شيئاً ونسيته تمنعه عزة نفسه أن يراجع رغم حاجاته، وتجد من ليس بحاجةٍ يقيمُ الدنيا ولا يقعدها، بدل أن يكون هو من يعطي لقدرته على العطاء، يريدُ أن يأخذ رغم عدم حاجته إلى الأخذ! والويل والثبور لمن طرق بيتاً في حارته حاملاً عطاءً لمسكين ولم يطرق بابه، يقيم الدنيا ويقعدها، ويتهم المعطي باللصوصية والسرقة والتمييز لأجل عطاء يسير لا يسمن ولا يُغني من جوع!
ضاقتْ الأحوال بالناس هذه الأيام، ومنَّ الله على الميسورين أن اجتهدوا في التخفيف عن الفقراء، إما بمبادرة شخصية، وإما بالمساهمة في حملات يقوم بها أهل الخير، فما الداعي لهذا الجشع، تلمز هذا وذاك تريدُ أن تُكرِّه الناس بفعل الخير، وتقطع المعروف بين الناس؟!
كُن عزيز نفس، إذا أُعطيتَ من غير مسألةٍ فخذْ، فإن وجدتَ في نفسكَ جاجةً فبارك الله لكَ به، وإن لم تجد دُلَّ على من هو أفقر منك ممن تعرفهم، أو خذها أنتَ واعطها له، أو اقسمها بينك وبينه، واعلم أن كل ما يصل الإنسان رزق، وأن الرزق لا يزيد بقلة الأدب، وإنما بالسعي المحمود، وكل ما أقَمتَ له الدنيا لتأخذه فأخذته كان سيصلك على طبق من لطف إلى باب بيتك، لأنه رزقك، وما لم يكتبه الله لك فلن تأخذه ولو كان الأنس والجن معكَ قبيلاً!
في مسألة الرزق علينا أن نتأدب مع الله أولاً قبل أن نتأدب مع الناس، وما أفقه عمر بن الخطاب حين قال: إني لا أسأل الله الرزق فقد فرغَ من قسمته ولكني أسأله البركة فيه!
بقلم: أدهم شرقاوي