رئيس شركة تكنولوجيا المعلومات الناجحة عالميا ميتا، مارك زوكربيرغ، لديه رسالة جاهزة يمكن أن تكون لها على المدى المتوسط عواقب وخيمة على ألمانيا وأوروبا أيضا: ففي رسالة مصورة، أعلن مخترع موقع فيسبوك أنَّه سيتخلى في المستقبل عن تدقيق الحقائق على منصاته مثل فيسبوك وإنستغرام، بدءا من الولايات المتحدة الأميركية.
وأضاف زوكربيرغ أنَّ شركته، التي يقع مقرها في كاليفورنيا، ستراجع بشكل كبير توجيهاتها للإشراف على المحتوى وستنهي برنامج تدقيق الحقائق من قبل طرف آخر. وحرفيا قال زوكربيرغ: «وصلنا الآن إلى نقطة حدثت فيها الكثير من الأخطاء والكثير من الرقابة. الانتخابات الأخيرة مثلت هنا نقطة تحول ثقافية نحو حرية التعبير».
لا حاجة بعد إلى مراجعين
من وكالات أنباء مشهورة
وقال الملياردير زوكربيرع إنَّ مدققي الحقائق سيتم إلغاؤهم. وأضاف أنَّهم كانوا متحيزين سياسيا وقد «دمروا الثقة أكثر مما بنوها، خاصة في الولايات المتحدة الأميركية». ومدققو الحقائق كانوا حتى ذلك الحين موظفين في وكالات أنباء مشهورة مثل وكالتي فرانس برس ورويترز، وكانوا يدققون بست وعشرين لغة محتويات المنصات.
وبرر زوكربيرغ خطوته هذه في مقطع فيديو مدته خمس دقائق. ولا شك في أنَّه قد رد بذلك أيضا على انتقادات وجهها مرارا وتكرارا إلى الرقابة المفروضة على محتويات منصاته العديدُ من الجمهوريين الأميركيين، بمن فيهم مستشار الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، والرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك.
أوروبا تتمسك بالضوابط
ما تزال في أوروبا وألمانيا ردود الفعل على هذا الإعلان حذرة، وربما يعود ذلك أيضًا إلى أنَّ إنهاء الضوابط المفروضة مثلا على المحتويات الجنسية أو اليمينية المتطرفة، لا ينطبق في البداية على أوروبا. ففي الاتحاد الأوروبي تسري بموجب قانون الخدمات الرقمية (DSA) لوائح أكثر صرامة مما في أميركا.
وبالرغم من عدم ذكر مدققي الحقائق بوضوح في التوجيهات، إلا أنَّ القانون الساري في كل أوروبا يُلزم المنصات الإلكترونية الكبيرة بأن تتخذ إجراءات ضد الكراهية والتحريض والمحتويات غير القانونية الأخرى على الإنترنت. وهذا شبه مستحيل من دون مساعدة خبراء خارجيين. وفي حالة وجود انتهاكات، تواجه شركات الإنترنت غرامات تصل إلى ستة في المائة من حجم مبيعاتها السنوية عالميًا. وهذا القانون يسري في ألمانيا منذ أيار/مايو 2024.
فيسينغ: «لن نسمح بتحدي ديمقراطيتنا»
وكذلك أشار إلى هذا الاختلاف بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وزيرُ التقنية الرقمية الألماني فولكر فيسينغ (كان سابقا من الحزب الديمقراطي الحر)، وقد علق على إعلان زوكربيرغ قائلا: «نحن نتعامل مع هذا الأمر بشكل جاد جدا. ونحن قادرون دائما على التعامل بحزم وتكييف الضوابط التنظيمية عندما نلاحظ أنَّ شركات مثل ميتا لا تلبي حاجتنا إلى معلومات مضمونة ومعتمدة. ولن نسمح هنا بتحدينا وتحدي ديمقراطيتنا».
وبالنسبة للحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم، قال أمينه العام ماتياس ميرش إذا لم يعد زوكربيرغ يعمل ضد «الأخبار المزيفة»، فستطرح هنا أيضا «مسألة الجرائم الجنائية». وقد أشار ماتياس ميرش إلى اتهامات التأثير في الانتخابات من خلال منصات الإنترنت، على سبيل المثال في رومانيا. وأضاف أنَّ مثل هذا العمل يعني «نسف الهياكل الديمقراطية الأساسية».
ميرتس لـ DW: «أراقب ذلك بقلق»
من جانبه أعرب شتيفن هيبشترايت، المتحدث باسم المستشار أولاف شولتس (من الحزب الاشتراكي الديمقراطي)، عن آراء مشابهة. فقد قال يوم الأربعاء في برلين: «لدينا ثقة كاملة في أنَّ مفوضية الاتحاد الأوروبي ستقوم هنا بعملها». وردا على سؤال من DW، قال فريدريش ميرتس، المرشح لمنصب المستشار ورئيس حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي المحافظ: «أراقب ذلك بقلق متزايد. فالعالم الرقمي لا يختلف عن العالم التناظري فيما يتعلق بمسألة الرقابة الديمقراطية والشرعية والأساس القانوني». وأضاف أنَّ لا مكان هناك أيضا للتحريض والكراهية.
خبير الإنترنت بيكيداهل
يتحدث عن خضوع لترامب
وكذلك أثار هذا الخبر الوارد من الولايات المتحدة الأميركية غضبا بين خبراء الإنترنت الألمان. إذ وصف خبير التقنية الرقمية ماركوس بيكيداهل قرار زوكربيرغ هذا بأنَّه «تحول بـ180 درجة». وفي قناة التليفزيون الألماني الثانية، وصف ماركوس بيكيداهل، وهو مؤسس ورئيس تحرير مدونة «Netzpolitik.org» ومشارك في تأسيس مبادرة مؤتمر «Re:Publica»، خطوة رئيس شركة ميتا بأنَّها خضوع لدونالد ترامب وإدارته القادمة.
وقال بيكيداهل إنَّ جميع رغبات وطلبات حزب ترامب الجمهوري تقريبا، مثل إلغاء تدقيق الحقائق وتطبيق «حرية تعبير راديكالية في جميع المنصات»، باتت الآن أيضًا من سياسات شركة ميتا. وفي الواقع أكد زوكربيرغ قبل أعوام على أنَّ قنوات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة به غير موجودة لنشر الكراهية والتحريض، وأضاف أنَّه سيعمل من أجل ذلك أيضا.
ولكن يوجد في برلين أيضا مؤيدون لتحول زوكربيرغ. فقد رحب النائب البرلماني عن الحزب الديمقراطي الحر ونائب رئيس البرلمان الاتحادي الألماني (بوندستاغ)، فولفغانغ كوبيكي بهذا القرار ووصفه بأنَّه «خبر جيد لحرية التعبير».