+ A
A -

كل واحد فينا يظن أن الحب من وجهة نظره هو التعريف الصحيح لتلك المشاعر الإنسانية العميقة التي يكنها تجاه الشخص الذي يشاركه حياته وروحه. لكن كثيراً ما نتفاجأ بأن منظور صديق لنا أو قريب عن الحب يختلف كلياً عن مفهومنا الخاص له. بعض الناس يرون أنه ليس في الحب كرامة أو كبرياء، لأن المحب الحقيقي يتغاضى عن أخطاء الحبيب، ويعامله معاملة خاصة لا تتأتى لغيره. بينما يرى قسم آخر من الناس أن الكرامة أساس الحياة وتقدير الذات، فمن فقد كرامته في الحب لا شك سيفقد علاقته بالحبيب ولو بعد حين، لأنه لا حب بلا كرامة.

في الحقيقة لا يوجد تعريف واحد جامع للحب. فكل إنسان يرى الحب بطريقته الخاصة، بل حتى الشعوب تختلف في تفسيرها لهذه المشاعر الإنسانية الدفينة، وكيفية التعبير عنها. وبالتالي فالأمر لا يعدو كونه وجهات نظر مختلفة.

وأحياناً يختلف مفهومك الشخصي للحب من مرحلة لأخرى من حياتك، ويكون في أوقات أخرى مرهوناً بمدى حبك للشخص الآخر، ومدى قدرتك على التنازل والتحمل والتغاضي عن أخطائه وتصرفاته السلبية، بل وحتى حبك الشديد له لدرجة أنك لا ترى عيوبه مهما حاول الآخرون تنبيهك إليها، وإذا سمعت نصيحة منهم فإنها تدخل من أذن وتخرج من أخرى، بينما تستمر في علاقة فاشلة لن يكتب لها النجاح أبداً.

من الناس أيضاً من إذا أحبوا شخصاً اختصروا العالم كله فيه، فعلّقوا كل سعادتهم وإحساسهم بالمحبة وتقدير الذات به، كأنما الكون بأسره يدور حوله وفي فلكه. فإذا رحل عنهم يوماً أو غدر بهم اسودّت الدنيا في عيونهم، وفقدوا رباطة جأشهم.

بقطع النظر عن تعريفنا للحب، فلا شك أننا إذا أحببنا شخصاً فإننا نتعلّق به كثيراً، ونشعر بأننا نملك الدنيا كلها عندما نجلس إليه، وأن السعادة من دونه شبه مستحيلة. وكلما غرقنا أكثر في هذه المشاعر الإنسانية، يصبح العالم كله متمثلاً في هذا الشخص الذي لا نشعر بالسلام الداخلي والفرح إلا عندما نكون قربه ومعه.

رغم ذلك، هناك من أدركوا حقيقة أن البحث عن شريك حياة حتى نشعر بقيمتنا ونحس بالسعادة طريق وعرة محفوفة بالأشواك الدامية لأسباب لا تعد ولا تحصى. إن تعليق سعادتنا على شخص آخر من شأنه سلب أي قدرة لدينا للإحساس بالفرح من دونه، ما يجعلنا عبيد هذا الحب بدلاً من أن نكون أصحابه. وبالتالي لا قيمة لسعادة يمكن أن تسلب منا في أي وقت.

إن كل شيء في هذه الحياة زائل بما في ذلك الأشياء والأشخاص، ولست بضامن ما يحدث غداً، فقد يحدث شرخ في علاقتك مع الطرف الآخر، أو يقرر فجأة الرحيل لأسباب شخصية لا يد لك فيها، لتجد نفسك في العتمة بعدما كنت تحيا في النعيم.

بينما لو كانت سعادتك ذات منشأ داخلي، فمعنى ذلك أنك إذا أحببت ازددت سعادة لا أكثر ولا أقل. فإذا خانك من تحب أو رحل عنك لأسباب لا دخل لك فيها تبقى سعيداً لأنك كنت سعيداً قبله، وستبقى سعيداً بعده؛ لأن ينبوع الفرح الداخلي لا ينضب، وليس مرهوناً بالأشخاص أو الأشياء.

بكافة الأحوال، إن مثل هذه الحالة العميقة من حب الذات والسعادة لا تتأتى بين ليلة وضحاها، ولا يمكن الوصول إليها إلا بعد جهد كبير، وتأمل للذات والكون، وسبر لأغوار الروح البشرية.

لهذا السبب يجب أن نكون رحماء تجاه بعضنا البعض، فلا نشمت بشخص غدر به الحبيب، أو نعاتبه لأنه لم يستمع إلينا حين نصحناه. بل علينا أن نحتويه، لأن الاحتواء هو ما يحتاجه كل من فقد حبيباً، وليس النصح والانتقاد والتوبيخ.

وعلينا كذلك أن نستكشف السعادة الكامنة في دواخلنا، بدلاً من البحث عنها خارج دائرة الذات. لأن السعادة الحقيقية ليست مرهونة بشيء أو شخص خارجي، بل منوطة بكينونتك الداخلية المتصلة بمنبع الجمال والفرح والسعادة الكوني الذي لا ينضب ولا ينتهي.

copy short url   نسخ
20/01/2025
10