مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةصدرت نداءات كثيرة على مدى دورات متعددة من التاريخ الإسلامي المعاصر، الذي بدأ يواجه حملة التفكيك منذ القرن التاسع عشر، فكرياً وسياسياً وعسكرياً للرابط الإسلامي بين الأمم المتعددة من العرب وغيرهم، لكنها لم تستطع تحقيق مشروعاً أممياً فارقاً، للرفض الذي واجهته من ذوي المصالح، أو من بأس القوى الغربية المهيمنة ومن تبع نفوذها ومن موقف الأستانة.
هنا كان السياق في سبيل توحيد مركزية أممية، يقوى بها حاضر العالم الإسلامي، غير أنه في ذلك العهد وخاصة تحت دعوة العروة الوثقى التي تبناها السيد جمال الدين الأفغاني وتلامذته، كانت تلك الدعوة تقوم على شراكة مميزة وفاعلة من رفاق له، من أقليات الشرق من المسيحيين وغيرهم، آمنوا بعدالة الفكرة الإسلامية الحضارية التي كان يدعو لها الأفغاني، من خلال قوة الشرق واحتوائه لمواطنيه عبر الحقوق الدستورية.
أما لاحقاً وخاصة في ظروف اليوم، فقد انحرف الخطاب حيث خُلطت هذه الدعوة بأنها موجهة ضد مشروع توظيف الأقليات، وبالذات بعد نماذج تحالف بين هذه أو تلك من المجموعات النافذة من الأقليات المتحدة مع التدخل الغربي الحديث، وهو خليط شرس يصعب فرزه، لكن المبدأ الأخلاقي في حقوق الجميع هو الميزان الذي لا يجوز أن يُسقط.
وقد عقّد التوظيف الطائفي لزيارة البابا المشهد، وهو ما أشكل ما بين المشاعر الإنسانية التي تراعي مسيحيي العراق، الذين أجرم في حقهم الاحتلال الأميركي، في الغزو وفي خلطة الحكم الطائفي، وفي مجموعات التطرف التي نشأت في رحاب فوضاه كداعش والقاعدة.
أو الميلشيات الطائفية التي ارتكبت جرائم حرب كجرائم داعش، من الأحزاب أو من الحشد الشعبي، التي أُعطيت هويتها السياسية والطائفية، غطاءً رسمياً ثم بورك على أساس تحالف طائفي جديد، شارك فيه البابا فرنسيس بشخصه في زيارته لبغداد، تحت توظيف سياسي وطائفي هستيري ظلل تلك الزيارة.
إن العودة للعراق والتاريخ الاجتماعي للمشاركة المسيحية في رحلة الدولة والحضارة الإسلامية، تشير إلى ذلك المكون المتفاعل للعراق وخارجه، بخلاف ما وقع من بعد الاحتلال، الذي لا يُبرئ عهد حكم البعث، لكنه أيضاً لا يمكن أن يستغل لتثبيت عقيدة صراع جديدة في الشرق، لا يحتملها العراق ولا مشرق الوطن العربي، ولكننا نفرز بوضوح ما تعرض له اخوتنا من مسيحيي العراق والطوائف الأخرى من تلك الجماعات المتطرفة المسلحة، التي هدمت عهود الحضارة والتعايش، في ظل تركيبة هذا الحكم الطائفي الاحتلالي الخطير.
والفكرة هنا هو خطورة تثبيت زاوية هذا التحالف الطائفي في العراق ومنه إلى الشرق، ليتحول إلى دليل يسعى بالفتنة في أي تشكلات أيدلوجية عنيفة، ويُباعد بين تعايش مذاهب الشرق ومدارسه الفكرية، فيما نحن اليوم بحاجة إلى روح تلك الوحدة التي اعتنى بها دعاة الإحياء الإسلامي في الوطن العربي، واتفقوا على رفض التدخل الغربي السافر معاً، في العلاقات الاجتماعية بين طوائف الشرق.
إنني هنا سأركز على معنى مختلف، يخرج من مسؤولية مسرح الزيارة، إلى مسؤولية الفكر الإسلامي المعاصر، فالعمل اليوم رغم كل الجراحات والصراعات الدموية، باسم الأكثرية والأقلية، يحتاج أن يكون عبر عودة عروة وثقى أخرى، تتجاوز الظروف التاريخية والسياسية ذلك الحين إلى تحديات هذا الزمن، يؤسس فيها طاولة حوار ولقاءات بين قادة الرأي بين الطوائف، ليس فقط على أساس مرجعيات مذهبية، وهذا لا مانع منه، إن كان هناك هدف مخلص لحماية التعايش وتعزيز السلم الأهلي لمجتمعات الشرق.
ولكن من خلال صياغات فكرية تكون قاعدة لميثاق مجتمعي، ومواد دستورية وعلاقات فكرية وحياة اجتماعية، تعيد ربط ما تمزق من واقع الشرق المروع، فثقافة الصراع الديني وتأجيج المشاعر الطائفية، تُهيء لحقل ألغام لا يتوقف، ونهرٌ يجري من الدماء، قد يهدأ برهة لكنه يعود كخريف الجحيم.
وهذا الميثاق يحتاج أن يُتداول فيه، ليتحد عليه مثقف الكنيسة ومثقف المسجد، والمؤمنون بالفكرة في التيارات الإسلامية والعلمانية، التي تقدم مصالح الإنسان والأمم والأوطان على مصالح الحكم والأحزاب الدينية المتصارعة.
ولقد تأخر كثيراً هذا المدار، فلا يجب أن يُنتظر هدوء الأوضاع لكي يُطلق، فجزء من رسالة القيم لهذه المبادرة، أن تستبق رياح الصراع بريح الإنقاذ المعاكسة، لإنسان الشرق كيفما كان دينه، وأن يأمن عبر قيم موطنه في الشرق الذي سقته جذوره.
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةصدرت نداءات كثيرة على مدى دورات متعددة من التاريخ الإسلامي المعاصر، الذي بدأ يواجه حملة التفكيك منذ القرن التاسع عشر، فكرياً وسياسياً وعسكرياً للرابط الإسلامي بين الأمم المتعددة من العرب وغيرهم، لكنها لم تستطع تحقيق مشروعاً أممياً فارقاً، للرفض الذي واجهته من ذوي المصالح، أو من بأس القوى الغربية المهيمنة ومن تبع نفوذها ومن موقف الأستانة.
هنا كان السياق في سبيل توحيد مركزية أممية، يقوى بها حاضر العالم الإسلامي، غير أنه في ذلك العهد وخاصة تحت دعوة العروة الوثقى التي تبناها السيد جمال الدين الأفغاني وتلامذته، كانت تلك الدعوة تقوم على شراكة مميزة وفاعلة من رفاق له، من أقليات الشرق من المسيحيين وغيرهم، آمنوا بعدالة الفكرة الإسلامية الحضارية التي كان يدعو لها الأفغاني، من خلال قوة الشرق واحتوائه لمواطنيه عبر الحقوق الدستورية.
أما لاحقاً وخاصة في ظروف اليوم، فقد انحرف الخطاب حيث خُلطت هذه الدعوة بأنها موجهة ضد مشروع توظيف الأقليات، وبالذات بعد نماذج تحالف بين هذه أو تلك من المجموعات النافذة من الأقليات المتحدة مع التدخل الغربي الحديث، وهو خليط شرس يصعب فرزه، لكن المبدأ الأخلاقي في حقوق الجميع هو الميزان الذي لا يجوز أن يُسقط.
وقد عقّد التوظيف الطائفي لزيارة البابا المشهد، وهو ما أشكل ما بين المشاعر الإنسانية التي تراعي مسيحيي العراق، الذين أجرم في حقهم الاحتلال الأميركي، في الغزو وفي خلطة الحكم الطائفي، وفي مجموعات التطرف التي نشأت في رحاب فوضاه كداعش والقاعدة.
أو الميلشيات الطائفية التي ارتكبت جرائم حرب كجرائم داعش، من الأحزاب أو من الحشد الشعبي، التي أُعطيت هويتها السياسية والطائفية، غطاءً رسمياً ثم بورك على أساس تحالف طائفي جديد، شارك فيه البابا فرنسيس بشخصه في زيارته لبغداد، تحت توظيف سياسي وطائفي هستيري ظلل تلك الزيارة.
إن العودة للعراق والتاريخ الاجتماعي للمشاركة المسيحية في رحلة الدولة والحضارة الإسلامية، تشير إلى ذلك المكون المتفاعل للعراق وخارجه، بخلاف ما وقع من بعد الاحتلال، الذي لا يُبرئ عهد حكم البعث، لكنه أيضاً لا يمكن أن يستغل لتثبيت عقيدة صراع جديدة في الشرق، لا يحتملها العراق ولا مشرق الوطن العربي، ولكننا نفرز بوضوح ما تعرض له اخوتنا من مسيحيي العراق والطوائف الأخرى من تلك الجماعات المتطرفة المسلحة، التي هدمت عهود الحضارة والتعايش، في ظل تركيبة هذا الحكم الطائفي الاحتلالي الخطير.
والفكرة هنا هو خطورة تثبيت زاوية هذا التحالف الطائفي في العراق ومنه إلى الشرق، ليتحول إلى دليل يسعى بالفتنة في أي تشكلات أيدلوجية عنيفة، ويُباعد بين تعايش مذاهب الشرق ومدارسه الفكرية، فيما نحن اليوم بحاجة إلى روح تلك الوحدة التي اعتنى بها دعاة الإحياء الإسلامي في الوطن العربي، واتفقوا على رفض التدخل الغربي السافر معاً، في العلاقات الاجتماعية بين طوائف الشرق.
إنني هنا سأركز على معنى مختلف، يخرج من مسؤولية مسرح الزيارة، إلى مسؤولية الفكر الإسلامي المعاصر، فالعمل اليوم رغم كل الجراحات والصراعات الدموية، باسم الأكثرية والأقلية، يحتاج أن يكون عبر عودة عروة وثقى أخرى، تتجاوز الظروف التاريخية والسياسية ذلك الحين إلى تحديات هذا الزمن، يؤسس فيها طاولة حوار ولقاءات بين قادة الرأي بين الطوائف، ليس فقط على أساس مرجعيات مذهبية، وهذا لا مانع منه، إن كان هناك هدف مخلص لحماية التعايش وتعزيز السلم الأهلي لمجتمعات الشرق.
ولكن من خلال صياغات فكرية تكون قاعدة لميثاق مجتمعي، ومواد دستورية وعلاقات فكرية وحياة اجتماعية، تعيد ربط ما تمزق من واقع الشرق المروع، فثقافة الصراع الديني وتأجيج المشاعر الطائفية، تُهيء لحقل ألغام لا يتوقف، ونهرٌ يجري من الدماء، قد يهدأ برهة لكنه يعود كخريف الجحيم.
وهذا الميثاق يحتاج أن يُتداول فيه، ليتحد عليه مثقف الكنيسة ومثقف المسجد، والمؤمنون بالفكرة في التيارات الإسلامية والعلمانية، التي تقدم مصالح الإنسان والأمم والأوطان على مصالح الحكم والأحزاب الدينية المتصارعة.
ولقد تأخر كثيراً هذا المدار، فلا يجب أن يُنتظر هدوء الأوضاع لكي يُطلق، فجزء من رسالة القيم لهذه المبادرة، أن تستبق رياح الصراع بريح الإنقاذ المعاكسة، لإنسان الشرق كيفما كان دينه، وأن يأمن عبر قيم موطنه في الشرق الذي سقته جذوره.