ما شهدته الأراضي الفلسطينية المحتلة، منذ أكثر من 15 شهراً، وتركّزت أحداثها الدامية على قطاع غزّة، ليست سوى جولة في سياق صراع متصل، على طريق إنجاز الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية المشروعة.
كان معلوماً للجميع أن تكلفة تحقيق الشعب الفلسطيني لأهدافه الوطنية واستعادة حقوقه المشروعة، ستكون باهظة، ومكلفة جداً.
بعد 15 شهراً على حرب الإبادة والتجويع والتدمير الشامل، يقف المرء على حصيلة ثقيلة من الثمن المدفوع، لكنها لا تذهب هدراً، فلقد نسف الشعب الفلسطيني السردية الإسرائيلية على المستوى العالمي.
ما جرى مجرّد جولة في صراع مستمر، حتى يحقق الشعب الفلسطيني أهدافه كاملة، ولكنها جولة قرّبت آجال تحقيق تلك الأهداف. مع بدء سريان اتفاق التهدئة، تفتح صفحة جديدة يريدها نتانياهو أن تكون مؤقّتة، وسيبذل كل ما في جعبته من حيل لكي يفشلها في مراحلها اللاحقة، ويواصل الحرب التي يعترف أنّها لم تحقق أهدافها بعد.
في دولة الاحتلال تسود مناخات الحسرة والحزن، الذي يعكس الفشل الذريع، ويتقاذف الكلّ مع الكلّ، الاتهامات بالمسؤولية عن الإخفاق، وتشهد المزيد من الانقسامات العميقة، وينتظر المسؤولون السياسيون والعسكريون والأمنيون نتائج التحقيقات المؤلمة وآثارها المتوقّعة.
في غزّة، احتفل الناس، بمجرّد أن وصلتهم أنباء التوصل إلى الاتفاق عبر الدبكات الشعبية، والأهازيج، والفرح، رغم فداحة المصاب، وينتظر الناس على أحرّ من الجمر العودة إلى بيوتهم المدمّرة وأراضيهم.
في فيينا، ولندن، وبرلين تخرج التظاهرات، احتفالاً بالانتصار، ويرفعون شعارات تطالب بملاحقة ومعاقبة مجرمي وجناة الحرب الإبادية، ومطالبة دولهم، بوقف إمداد دولة الاحتلال بالأسلحة. نفهم أنّ الساحة الفلسطينية والسياسة محكومة لمسارين متعارضَين إزاء كيفية وأشكال متابعة الصراع، ومحكومة لمخاوف متبادلة من قبل الفاعلين الرئيسيين، ما ينجم عنه اختلاف في المواقف واختلاف للنظر في تقييم الأحداث ومآلاتها، ولكن ينبغي أن يخوض الفلسطينيون حواراتهم الصعبة، بما تتطلّب المسؤولية عن الالتزام بقواعد تحترم الشعب وآلامه واحتياجاته.
دولة الاحتلال والإجرام، خلال الحرب، وقبل الحرب، دأبت على منع فرق التحقيق الدولية من الدخول إلى الأراضي المحتلة، ومنعت المتضامنين الدوليين، وفرضت عليهم قيوداً جائرة، الهدنة حتى لو أنها مؤقّتة، فإنها ينبغي أن تتيح المجال لمؤسسات حقوق الإنسان الدولية، والجنائية الدولية، ومحكمة العدل، ومنظمة العدل، ولكلّ نشطاء حقوق الإنسان، والمتضامنين مع الشعب الفلسطيني أن يدخلوا إلى القطاع، لإنجاز ما منعتهم دولة الاحتلال من إنجازه.
يتوقف القتال، وينبغي أن يفتح ذلك المجال لورشة دولية، نشطة، من أجل ملاحقة مرتكبي الإبادة الجماعية وحرب التجويع، ولا بدّ لكلّ فلسطيني من أن يقوم بدوره، ابتداءً من منظمة التحرير الفلسطينية إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، والسفارات الفلسطينية، إلى كل مكونات الشعب الفلسطيني.