+ A
A -
كان في بني إسرائيل رجل فقيه، عالم عابد مجتهد، وكانت له امرأة هو بها معجبٌ، ولها محبُّ. فماتت هذه المرأة، فوجَد عليها وَجْداً شديداً، ولقي عليها أسفاً، حتى أغلق بيته على نفسه، واحتجبَ عن الناس، ومنع أحداً من الدخول عليه!
ثم إن امرأةً عاقلةً من نساء بني إسرائيل علمت به، فجاءته وقالت لمن هو على بابه: إن لي حاجة أستفتيه فيها، وليس يجزيني فيها أن أكتبها في رقعة وأدفعها إليه، فلا بد من رؤيته ومشافهته.
وبقيت هي على بابه، ولما علمَ من حاجبه أنها مقيمة بالباب، رافضة المغادرة حتى تراه وتستفتيه، قال: ائذنوا لها.
فدخلتْ عليه، وقالت: إني جئتك استفتيك في أمر..
قال: وما هو
قالت: إني استعرتُ من جارةٍ لي حُلياً، فكنتُ ألبسه وأعيره زماناً، ثم إنها أرسلتْ إلىَّ تريده، أفأعطيها إياه؟
قال: نعم
قالت: إنه مكث عندي زماناً
فقال: ذلك أدعى أن ترديه إليها
فقالتْ: يرحمك الله، أفتأسفُ على ما أعارك الله إياه، ثم أخذه، وهو أحقُّ به منكَ؟!
فقام من فوره، وفكَّ عزلته، وعاد يستقبل الناس ليفتيهم ويعلمهم!
فقد الأحبة غربة كما قالت العرب، وإن الناس في غربة فقدهم يحتاجون إلى عزاء، فالموت موجعٌ، والفقد مؤلم، وإن الحليم فيه قد يصيرُ حيران، ويفقد شيئاً من اتزانه ورزانته التي عرفناه بها، ولا شيء يعيدهم سيرتهم الأولى إلا حُسن التعزية!
كان عمر بن الخطاب يُحِبُّ أخاه زيداً حُباً شديداً، وكلما تذكر استشهاده يوم اليمامة في حرب مسيلمة الكذاب بكى، ولما جاء متمم بن نويره إلى أبي بكر يشكو خالد بن الوليد قتل أخيه مالك بن نويره ردَّةً، وأنشدَ شعراً بليغاً في حُب الأخ، تذكَّر عمر بن الخطاب أخاه زيداً، وقال لمتمم: لو أني أحسنُ أن أقول شعراً لقلتُ في أخي زيد
فقال له متمم: لو أن أخي استشهد كأخيك ما قلتُ فيه، ولكنه قُتل ردَّةً.
فقال له عمر: يرحمك الله ما عزَّ أي أحد بمثل ما عزيتني به!
ومات لأحد الصالحين ولد، فبلغ منه الحزن مبلغاً حتى انقطع عن الناس، فدخل عليه صديق له وقال: أأنتَ أرحمُ به أم الله؟
فقال: الله
فقال له: علامَ تبكي صبياً ذهبَ إلى من هو أرحمُ به منك؟!
الناس يحتاجون إلى من يربت على قلوبهم، ويُصبرهم فقد أحبتهم، فأحسنوا اختيار مفردات العزاء، فقد يُصبِّر اللهُ بها إنساناً مجذوعاً، ويرمم بها قلباً مكلوماً!بقلم: أدهم شرقاوي
ثم إن امرأةً عاقلةً من نساء بني إسرائيل علمت به، فجاءته وقالت لمن هو على بابه: إن لي حاجة أستفتيه فيها، وليس يجزيني فيها أن أكتبها في رقعة وأدفعها إليه، فلا بد من رؤيته ومشافهته.
وبقيت هي على بابه، ولما علمَ من حاجبه أنها مقيمة بالباب، رافضة المغادرة حتى تراه وتستفتيه، قال: ائذنوا لها.
فدخلتْ عليه، وقالت: إني جئتك استفتيك في أمر..
قال: وما هو
قالت: إني استعرتُ من جارةٍ لي حُلياً، فكنتُ ألبسه وأعيره زماناً، ثم إنها أرسلتْ إلىَّ تريده، أفأعطيها إياه؟
قال: نعم
قالت: إنه مكث عندي زماناً
فقال: ذلك أدعى أن ترديه إليها
فقالتْ: يرحمك الله، أفتأسفُ على ما أعارك الله إياه، ثم أخذه، وهو أحقُّ به منكَ؟!
فقام من فوره، وفكَّ عزلته، وعاد يستقبل الناس ليفتيهم ويعلمهم!
فقد الأحبة غربة كما قالت العرب، وإن الناس في غربة فقدهم يحتاجون إلى عزاء، فالموت موجعٌ، والفقد مؤلم، وإن الحليم فيه قد يصيرُ حيران، ويفقد شيئاً من اتزانه ورزانته التي عرفناه بها، ولا شيء يعيدهم سيرتهم الأولى إلا حُسن التعزية!
كان عمر بن الخطاب يُحِبُّ أخاه زيداً حُباً شديداً، وكلما تذكر استشهاده يوم اليمامة في حرب مسيلمة الكذاب بكى، ولما جاء متمم بن نويره إلى أبي بكر يشكو خالد بن الوليد قتل أخيه مالك بن نويره ردَّةً، وأنشدَ شعراً بليغاً في حُب الأخ، تذكَّر عمر بن الخطاب أخاه زيداً، وقال لمتمم: لو أني أحسنُ أن أقول شعراً لقلتُ في أخي زيد
فقال له متمم: لو أن أخي استشهد كأخيك ما قلتُ فيه، ولكنه قُتل ردَّةً.
فقال له عمر: يرحمك الله ما عزَّ أي أحد بمثل ما عزيتني به!
ومات لأحد الصالحين ولد، فبلغ منه الحزن مبلغاً حتى انقطع عن الناس، فدخل عليه صديق له وقال: أأنتَ أرحمُ به أم الله؟
فقال: الله
فقال له: علامَ تبكي صبياً ذهبَ إلى من هو أرحمُ به منك؟!
الناس يحتاجون إلى من يربت على قلوبهم، ويُصبرهم فقد أحبتهم، فأحسنوا اختيار مفردات العزاء، فقد يُصبِّر اللهُ بها إنساناً مجذوعاً، ويرمم بها قلباً مكلوماً!بقلم: أدهم شرقاوي