مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةتختلف مناطق الخليج العربي بعض الشيء في التراث السنوي الذي يتجدد في أعراف أهل الخليج العربي، في مناسبة القرقيعان أو القرنقعوه، ويتطابق في غالب ساحل الخليج العربي ويختلف قليلاً في بعض مناطقه، وهو تلك الليلة التي كانت تبدأ في سن طفولتنا من الظهيرة، ونلبس اللباس الجميل ونطوف على بيوت الحي، ننشد أغنيته الجميلة، التي يعاد بثها كل عام في بعض تليفزيونات الخليج العربي، وتحيي فيه هذه العادة الجميلة.
وتكون قريبة من منتصف رمضان ولا يلتزم الناس اليوم بيوم محدد، ولكنه القرب بالمجمل، كدلالة على أنها عادة تراثية جميلة، وليست سلوكَ ديني كما أشكل على البعض في سنوات سابقة، لكن أصبح الناس اليوم في وعي أكبر في إخراج هذه الفرحة الطفولية من الجدل الفقهي، الذي لا علاقة له بأحكام بقدر ما هو ثقافة تراث.
والمهم هنا هو أن هذا التراث، يعضد البيوت والأسر والأحياء على فكرة تضامن جميلة، نرعى بها أطفالنا، ففي القرقيعان يستشعر الأطفال فرحة كبيرة وبهجة تدعم معنوياتهم وتجدد بهجتهم، وتجتمع الأسرة من جديد على مفاهيم الحب والتضامن بين أجيال الآباء والأجداد والأحفاد، فتلعب الطفولة البريئة سعيدة في محضن العائلة تلاحقها عيون اهلهم المحبة.
وكون أن هذا التراث يستقي من مفهوم إسلامي جميل، فهو مزية له وليس حجة جدلية عليه، وأقصد أن القرقيعان في رحلة التحقيق الثقافي البسيطة لي، كان لأجل تخفيف أجواء رمضان النهارية عن الأطفال وانشغال أسرهم عنهم، فتحيي لهم هذه الفرحة، التي لا علاقة لها مطلقا بما قيل عن مناسبة سياسية ولا دينية في التاريخ الاجتماعي لأهل الخليج العربي.
وإن كان لبعض أهلنا من بعض المذاهب تكييف ديني في تاريخ مختلف، لكن هذا البساط المتوارث قديماً في التراث والعرف، دنيوي بسيط يجمع أشتات الحي، وكم هو جميل أن نتحد لفرحة أطفالنا في التراث الذي يجمع كل من سكن في ساحل الخليج العربي، حتى لو كان ذلك خارج طباع بيئته، فهذه الوحدة الاجتماعية التضامنية، هي من صور الحضارة الرمزية الجميلة، وتسع أهل الساحل وكل من انضم إليهم.
أما البعد الثاني في تاريخ القرقيعان فهو تشجيع الفتيان والفتيات، في أول تجاربهم في الصوم، على جائزة في منتصف الشهر الكريم، وهنا لفتة جميلة جدا، أننا نربط أطفالنا في روح الشهر الكريم وفي جائزته.
وأذكر أنني في أول عام عندما استقررت في المهجر في مدينة تورنتو في كندا، سمعت من الأسر العربية المسلمة قلقها من مشكلة ارتباط أطفالهم بمناسبة الهلويين، والمشكلة في الهلويين ليست في فرحة الأطفال ومشاركتهم في أميركا الشمالية، لكن في استدعاء صورة تعظيم الأشباح والشياطين، كطقس سلبي بنيت عليه المناسبة يعمم على عقل الأطفال.
فقلتُ لبعض الأصدقاء أن فارق القرقيعان هو مهم هنا، ولعلكم تفكرون بربط الأطفال بمفهومه في رمضان، وحين تأتي مناسبته في كندا، تذكرونهم بالمعنى الإسلامي الجميل لفرحة الأطفال في منتصف رمضان، حيث معاني الرحمة ورعاية الله لجائزة الصائمين، واستحضار الحب الملائكي القرآني في رمضان بدلاً من الشياطين والأشباح التي تؤذي مشاعر الطفولة.
وهنا حين نعود لهذه المناسبة في الخليج العربي، نؤكد على ربط هذه الأعراف الجميلة بالمشاعر القيمية والأخلاقية للإسلام، ولكوننا في ساحل الخليج العربي تختلط اعرافنا بقيم الإسلام، وما أجمله من اختلاط.
إلا أننا ننبه على أهمية بقاء روح البساطة وفكرة المشاركة بين أهل الحي، بعد تأمين سلامة أطفالنا، وعدم المبالغة في الإسراف، وإن كانت جَمعةُ البيوت الخاصة لقرقيعان أطفالهم لفتة جميلة أيضاً، لكن روح الحي المتوحد وتحية - نورة- الفتاة الجميلة ببخنقها (البخنق) زي تلبسه فتياتنا الصغيرات في القرقيعان، وهم ينشدون..
عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم
يا مكة يا معمورة
(لتعود الأغنية تنشد)
يم السلاسل والذهب يا نورة.
مزيج جميل من التحية والمشاعر، لا حرج على الطفولة في طلبه بأغنية التراث، ولم تعلمنا يوماً في الخليج العربي كما يزعم البعض (الشحذ)، بل علمتنا العطاء وأن نغرف باليد أو بالبادية لكل طفل نحييه ويحيينا، ونتعبد الله في فرحة أحبابه، تراثٌ مؤمنٌ بقيمه لم يفرض سنن لم تنزل، ولم يشرع حكماً فقهياً، فكل الحب لكم يا أحبابنا أطفال الخليج العربي وكل من شارككم.
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكريةتختلف مناطق الخليج العربي بعض الشيء في التراث السنوي الذي يتجدد في أعراف أهل الخليج العربي، في مناسبة القرقيعان أو القرنقعوه، ويتطابق في غالب ساحل الخليج العربي ويختلف قليلاً في بعض مناطقه، وهو تلك الليلة التي كانت تبدأ في سن طفولتنا من الظهيرة، ونلبس اللباس الجميل ونطوف على بيوت الحي، ننشد أغنيته الجميلة، التي يعاد بثها كل عام في بعض تليفزيونات الخليج العربي، وتحيي فيه هذه العادة الجميلة.
وتكون قريبة من منتصف رمضان ولا يلتزم الناس اليوم بيوم محدد، ولكنه القرب بالمجمل، كدلالة على أنها عادة تراثية جميلة، وليست سلوكَ ديني كما أشكل على البعض في سنوات سابقة، لكن أصبح الناس اليوم في وعي أكبر في إخراج هذه الفرحة الطفولية من الجدل الفقهي، الذي لا علاقة له بأحكام بقدر ما هو ثقافة تراث.
والمهم هنا هو أن هذا التراث، يعضد البيوت والأسر والأحياء على فكرة تضامن جميلة، نرعى بها أطفالنا، ففي القرقيعان يستشعر الأطفال فرحة كبيرة وبهجة تدعم معنوياتهم وتجدد بهجتهم، وتجتمع الأسرة من جديد على مفاهيم الحب والتضامن بين أجيال الآباء والأجداد والأحفاد، فتلعب الطفولة البريئة سعيدة في محضن العائلة تلاحقها عيون اهلهم المحبة.
وكون أن هذا التراث يستقي من مفهوم إسلامي جميل، فهو مزية له وليس حجة جدلية عليه، وأقصد أن القرقيعان في رحلة التحقيق الثقافي البسيطة لي، كان لأجل تخفيف أجواء رمضان النهارية عن الأطفال وانشغال أسرهم عنهم، فتحيي لهم هذه الفرحة، التي لا علاقة لها مطلقا بما قيل عن مناسبة سياسية ولا دينية في التاريخ الاجتماعي لأهل الخليج العربي.
وإن كان لبعض أهلنا من بعض المذاهب تكييف ديني في تاريخ مختلف، لكن هذا البساط المتوارث قديماً في التراث والعرف، دنيوي بسيط يجمع أشتات الحي، وكم هو جميل أن نتحد لفرحة أطفالنا في التراث الذي يجمع كل من سكن في ساحل الخليج العربي، حتى لو كان ذلك خارج طباع بيئته، فهذه الوحدة الاجتماعية التضامنية، هي من صور الحضارة الرمزية الجميلة، وتسع أهل الساحل وكل من انضم إليهم.
أما البعد الثاني في تاريخ القرقيعان فهو تشجيع الفتيان والفتيات، في أول تجاربهم في الصوم، على جائزة في منتصف الشهر الكريم، وهنا لفتة جميلة جدا، أننا نربط أطفالنا في روح الشهر الكريم وفي جائزته.
وأذكر أنني في أول عام عندما استقررت في المهجر في مدينة تورنتو في كندا، سمعت من الأسر العربية المسلمة قلقها من مشكلة ارتباط أطفالهم بمناسبة الهلويين، والمشكلة في الهلويين ليست في فرحة الأطفال ومشاركتهم في أميركا الشمالية، لكن في استدعاء صورة تعظيم الأشباح والشياطين، كطقس سلبي بنيت عليه المناسبة يعمم على عقل الأطفال.
فقلتُ لبعض الأصدقاء أن فارق القرقيعان هو مهم هنا، ولعلكم تفكرون بربط الأطفال بمفهومه في رمضان، وحين تأتي مناسبته في كندا، تذكرونهم بالمعنى الإسلامي الجميل لفرحة الأطفال في منتصف رمضان، حيث معاني الرحمة ورعاية الله لجائزة الصائمين، واستحضار الحب الملائكي القرآني في رمضان بدلاً من الشياطين والأشباح التي تؤذي مشاعر الطفولة.
وهنا حين نعود لهذه المناسبة في الخليج العربي، نؤكد على ربط هذه الأعراف الجميلة بالمشاعر القيمية والأخلاقية للإسلام، ولكوننا في ساحل الخليج العربي تختلط اعرافنا بقيم الإسلام، وما أجمله من اختلاط.
إلا أننا ننبه على أهمية بقاء روح البساطة وفكرة المشاركة بين أهل الحي، بعد تأمين سلامة أطفالنا، وعدم المبالغة في الإسراف، وإن كانت جَمعةُ البيوت الخاصة لقرقيعان أطفالهم لفتة جميلة أيضاً، لكن روح الحي المتوحد وتحية - نورة- الفتاة الجميلة ببخنقها (البخنق) زي تلبسه فتياتنا الصغيرات في القرقيعان، وهم ينشدون..
عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم
يا مكة يا معمورة
(لتعود الأغنية تنشد)
يم السلاسل والذهب يا نورة.
مزيج جميل من التحية والمشاعر، لا حرج على الطفولة في طلبه بأغنية التراث، ولم تعلمنا يوماً في الخليج العربي كما يزعم البعض (الشحذ)، بل علمتنا العطاء وأن نغرف باليد أو بالبادية لكل طفل نحييه ويحيينا، ونتعبد الله في فرحة أحبابه، تراثٌ مؤمنٌ بقيمه لم يفرض سنن لم تنزل، ولم يشرع حكماً فقهياً، فكل الحب لكم يا أحبابنا أطفال الخليج العربي وكل من شارككم.