يعقوب العبيدلي
هناك الكثير من الناس لا يطيقون الدروس والمواعظ والكتابة عن الموت أو التذكير به، علماً أن الموت حق، قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)، فسماه الله يقيناً، وسمّاه أجلاً، وسماه وعداً، قال سبحانه: (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)، وقال تعالى: (وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا)، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّه حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّه الْغَرُورُ)، أجلك محيط بك لا محالة، (أَي?نَمَا تَكُونُوا? يُد?رِككُّمُ ?ل?مَو?تُ وَلَو? كُنتُم? فِي بُرُوج? مُّشَيَّدَة?) الآية.
إن الإكثار من ذكر الموت حثّت عليه الشريعة ورغبت فيه لمقاصد ومرامي؛ منها لئلا تقسوا القلوب وتركن للشهوات، وتنغمس فيها، ويسيطر عليها حبها، فتغفل وتطغى، قال صلى الله عليه وسلم: «أكثروا ذكر هادم اللذات» يعني الموت، وزيارة القبور تذكر بالموت، ومن أعقل الناس أكثرهم ذكراً للموت، وأكثرهم استعداداً له، جاء في الأثر: «ما رأيت منظراً فظيعاً إلا والموت أفظع منه». ليس في الوجود شيء أصعب من الصبر على المكروهات، ولكن وفاة الأم أو الأب أو الحبيب أو الولد أو الصديق أو زميل العمل صبره ليس كأي صبر، وبلاه ليس مثله بلاء.
فقدنا في قطاع التعليم العديد من الإخوة والأخوات والزملاء والزميلات، كنا نعايشهم ونحاورهم ونتعلم منهم، خيري التربية والتعليم، كنا نضاحكهم ونسامرهم ونسافر معهم، منهم من عملنا معهم، وزاملناهم، ماتوا عنا، غادرونا، واسترد الله أمانته، لكنهم باقون في وجدان وقلوب إخوانهم وزملائهم ومحبيهم، لا زال أثرهم ملموساً ومحفوراً في جدران ومساحات وفضاءات التعليم، لأن أثرهم كان حسناً، وأعمالهم كانت جليلة، وصعب أن تسقط ذكراهم العطرة من ثقوب الذاكرة التي لعب بها مرض السكر وأقراصه، كل من عايشهم -رحمهم الله وغفر لهم وأسكنهم الفردوس- وعرفهم صعب أن ينساهم بعد وفاتهم، لأنهم باقون بذكراهم العطرة، وأثرهم الحسن، وإرثهم المغروس في الوجدان. معلمو الناس الخير في القطاع التعليمي يمتازون بإنسانيتهم العالية وإخلاصهم، عرفتهم شحنات متوقدة من الحس الإنساني المهذب، شحنات نشاط وهمة وعزيمة وعطاء، كانوا يشكّلون المثال المحتذى، والقدوة الصالحة في أسمى معانيها، كانوا ينابيع عطاء من الجمال وحب الطلبة والانتساب لمهنة التعليم في مجالاتها المتعددة.
اللهم في هذا الشهر المبارك وفي هذه العشر المباركة، اغفر لهم، وعافهم، وارحمهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأدخلهم الجنة من غير حساب، واجعل قبورهم روضة من رياض الجنة، برحمتك يا أرحم الراحمين، ورحم الله قارئاً قال آمين، وعلى الخير والمحبة نلتقي.