+ A
A -

راج خلال الفترة الأخيرة التي أعقبت تحرير سوريا مصطلح «تصدير الثورة» الذي اتهمت به الحكومة الجديدة خاصة من طرف المنصات المحسوبة على أنظمة استبدادية لا يُخفي كثير منها خوفها من انتقال شرارة الثورة إليها مثلما حدث خلال ثورات الموجة الأولى في 2011، وهو الأمر الذي دفع بالمصطلح من جديد إلى السطح وأنكره الحاكم الجديد في سوريا.

لذا يحتاج المصطلح إلى قراءة سريعة تكشف ما غمُض من معناه وسياقه وخلفياته: أولا يمثل «تصدير الثورة» عملية مقصودة فالتصدير يعكس قدرة المصدّر ورغبته في هذه العملية التي هي نقل رأس مال رمزي من مكان إلى مكان آخر. وبذلك فإن تصدير الثورة يعني نقلها إلى مكان آخر غير المكان الذي انطلقت منه وانتصرت فيه بفضل قوة النظام الجديد المنتصر وتمكنّه من آليات نقل الثورة إلى فضاءات أخرى.

الهدف من تصدير الثورة هو التمكين لمهد الثورة الأول وتوسيع رقعة انتشاره وبالتالي تأكيد انتصارها التاريخي وإلغاء الأنظمة المشابهة التي انتصرت عليها الثورة الأصلية. هذا المنوال حدث في حالة الثورة البلشفية 1917 والتي انتصرت فيها الثورة الشيوعية وتمددت في أوروبا الشرقية ثم أميركا اللاتينية وفي مناطق أخرى من العالم. لكن لا بد من التذكير بأنها ثورة تحولت إلى سلطة قائمة ثم إلى قوة عسكرية انتصرت على القيصر الروسي من جهة وعلى ألمانيا النازية من جهة ثانية.

لكن هناك منوال ثان مختلف عن تصدير الثورة وهو منوال «العدوى الثورية» مثلما حدث خلال ثورات الربيع في تونس ثم مصر ثم ليبيا ثم سوريا. والعدوى الثورية مختلفة عن التصدير من خلال خاصية أساسية وهي أنها عملية غير مقصودة بل تتحرك الموجة الثورية تلقائيا إلى المجالات التي يتشابه فيها سياقها مع السياق الجديد. إن الأوضاع التي اندلعت فيها ثورة تونس في بداية سنة 2011 تشبه إلى حدٍّ بعيد الوضع في ليبيا وسوريا ومصر من سطوة الاستبداد وهيمنة القمع وانتشار الفقر والبطالة فكانت ثورة تونس الشرارة التي أشعت الحريق.

لكن اليوم وفي هذا السياق الجديد تكاد تكون سوريا الثورة الوحيدة المنتصرة بالسلاح بعد أكثر من عقد من المجازر والمذابح والإبادة التي لم تحدث في أي بلد من قبل. لذا سيكون من المبكر الحكم على مآلاتها عربيا رغم إدراكنا لعجز النظام الجديد عن تصدير الثورة لكنه رغم ذلك يبقى غير متحكم في إمكانية انتشار العدوى الثورية.محمد هنيد

أستاذ محاضر بجامعة السوربون

copy short url   نسخ
24/01/2025
0