كانت غزوة تبوك علامة فارقة بين غزوات النبيّ صلى الله عليه وسلم، فهي الغزوة الأبعد مسافة، والأحرّ طقساً، والأكثر فاقة، فقد وافقت المسلمين شدةٌ، ولم يكن عند النبيّ صلى الله عليه وسلم ما يجهّز به الجيش، لهذا عرف هذا الجيش في كتب السيرة بجيش العسرة! وكان فقراء الصحابة إذا أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يجد ما يجهزهم به للخروج ذرفوا الدّمع حزناً! وفي هذا يقول ربنا في محكم التنزيل «ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولّوا وأعينهم تفيض من الدّمع حزنًا ألّا يجدوا ما ينفقون!».
ثم إن أغنياء الصحابة جهزوا ما استطاعوا من فقراء المسلمين للخروج، وبقي البعض في المدينة إما لفقرٍ أو مرض، ولما كان النبيّ صلى الله عليه وسلم في طريق عودته إلى المدينة من تبوك قال للصحابة: «إنّ بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا شركوكم في الأجر حبسهم العذر!».
إنه الخير على أية حالٍ كنت، وإذا علم الله صدق نيتك فسيعطيك مثل ما أعطى العاملين من أجرٍ!
إذا جمع مالٌ لمريضٍ ولم تجد ما تنفق تضرّع إلى الله، وأره في قلبك انكساراً أنك لو استطعت أن تساهم لفعلت، وإذا علم الله صدق قلبك، فأبشر بأجر المنفقين وإن لم تنفق!
إذا حبسك المرض عن صلاة الجماعة التي كنت تأتيها حال صحتك، فاعرض ضعفك على ربّك، وقل له: يا ربّ إني ما تركت حيّ على الصلاة إلا عجزاً وضعفاً، أنت أعلم بي مني، ولو كنت صحيحاً لأجبت، وأبشر بأجر المشائين إلى المساجد!
ولكن إياك إذا تغيّر الحال، وتحسنت الظروف، وعادت الصحة، وأقبل الغنى، أن لا تترجم قولك القديم فعلاً، وانكسارك الماضي عملاً!
خذ بأسباب الخير ما استطعت، فإن لم تبلغ الأجر بالعمل فقد بلغته بالنيّة!
روى الإمام تاج الدين السّبكي في رائعته طبقات الشافعية الكبرى فقال: كان البويطي وهو في السجن في كل جمعة يغسل ثيابه، ويغتسل، ويتطيب، ثم إذا سمع الأذان مشى إلى باب السجن!
فيقول له السّجان: إلى أين؟
فيقول: أجيب داعي الله!
فيقول السّجان: ارجع يرحمك الله
فيرفع يديه ويقول: اللهمّ إني أجبت داعيك فمنعوني!
وما أجمل قول الشافعي: إذا كنت في الطريق إلى الله فاركض، فإن صعب عليك فهرول، وإن تعبت فامش، وإن لم تستطع كل هذا فسر ولو حبواً، ولكن إياك والرجوع!
بقلم: أدهم شرقاوي